الجريمة والعقاب ، عندما تتحول الاخلاق انعكاساً للانحدار السياسي في لبنان! نبيل الزعبي
الجريمة والعقاب ، عندما تتحول الاخلاق انعكاساً للانحدار السياسي في لبنان!
نبيل الزعبي
مُشيناً وبكل ما للكلمة من معنى ً، هذا الكم من الانحدار الاخلاقي في لبنان الذي تُزكِم الفضائح المتراكمة الناجمة عنه كل مناقشةٍ موضوعية صائبة لما يجري في دولة مُغَيَّبَة لايطفو على أسفلت شوارعها سوى تداعيات هذا الغياب الذي بات حتى الإسفلت ” الأسود” اشد نقاوةً وابيضاضاً من انحطاط ادبي وأخلاقي لم يعد ليطال ناحيةً معينة من زوايا ودساكر وانعطافات هذا البلد ، وانما بات يهدد الحياة اللبنانية بكل ذرات هوائها والنسيم الذي يتنفس اللبنانيون به ولم يعد البحر المتوسط ببياضه كافياً لتنظيف ما افرزه سياسيو هذا البلد من قذارة وأوساخ او التَطَهُر من أرزاء ممارساتهم القاتلة لكل نسغ الحياة وشرايينها من اقتصاد واجتماع وثقافة وتربية ومال وأعمال .
هل هي البيئة الحاضنة للفساد ، التي تدفع المجرم إلى استغلال غياب القانون في دولةٍ مهلهلة تتيح التهرُب من العقاب باهون السبل !
لنخلص إلى المعادلة الجهنمية الجدلية ما بين بيئة تصنع المجرم ،وسلطة تدفعه إلى التمادي في انحرافه وهو المطمئن بإفلاته من العقاب !
ام ان المطلوب هو استلحاق بعضاً من الاسباب التخفيفية للمرتكب والنظر فيما، هل هو مجرمُ حقاً ام صنيعة بيئة اجرامية لندخل في نقاشٍ مسؤول ساخن جداً على غرار ما واجهه أديب روسيا الكبير دوستويفسكي يوماً عندما اختلف النقاد حول روايته المشهورة “الجريمة والعقاب” في توصيف الظروف التي احاطت بالقاتل ، بطل الرواية ، ام نعود إلى الكاتب احسان عبدالقدوس في قولته : لا تسألوا الناس ، انما اسألوا الظروف !
ام ان العودة إلى ما كتبه امير الشعراء احمد شوقي باتت في حِكم الضرورة الماسّة وهو القائل :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا..
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه…
فقوم النفس بالأخلاق تستقم..
ومع كل ما تقدم تبحث وتفتش في الادبيات ، ما تقدم منها وما تأخر ، لعل وعسى ، تحظى بما يمكن اعتباره اسباباً تخفيفية للجريمة في لبنان ، فلا تجد ، بل صار من الصعوبة بمكان ان تجد، في ظل منظومة سياسية فاسدة حاكمة تدير البلد بأقنعةٍ شتى من وجوه الفضيلة المزيفة والادب والحرص على الاخلاق حتى لتكاد تظن انه من كثرة لابسي الأقنعة في زماننا هذا ، من العسير عليك ان تتعرف على الشخص خلف القناع ، والمقولة هنا للروائي الروسي دوستويفسكي ايضاً ، فتحتار من اية زاوية تبدأ منطلقاً من حرصك على اجتناب الوعظ والمثاليات الفارغة البعيدة عن الواقع ، او الاستغلال الفاضح للدين والطائفة والمذهب وتتساءل : لمن الأسبقية في المعالجات ، هل هو القانون الذي يجب ان يُطَبّق على الكبير قبل الصغير والسياسيين قبل العوام ، ام وضع الحدود امام كل تدخل وحماية سياسية لفاسدين ، مكانهم السجون لا الفرار منها وتسهيل ذلك بالشكل الفاضح غير المسبوق حتى في
القاموس الميليشيوي غير المكتوب ، ام ان الازمة المعيشية جعلت من الجوع، الكافر الأوحد والأخطر وربما الأقوى في هذا البلد لما يمتلك من أنصار و”جماهير” جوعى وما تحويه المِعَد( جمع معدة) من قنابل موقوتة مهيئة للتفجير مع كل ما يستفز أمعاء الفقراء من قرحةٍ او التهاب ٍ معوي حاد سببه الجوع ،وترفع من حدّة السؤال مستفهماً : اين دور الرأسمال الوطني اللبناني في ظل غياب الدولة ليشغل حيّزاً اقتصادياً ما، يسد ما امكن من فجوات التقصير الرسمي للدولة في بلدٍ لا تجد بؤر الفقر المتعددة فيه سوى في مسقط رأس أثريائه ، فيما الأراضي الشاسعة والثروات العقارية المملوكة للطوائف والمذاهب لم يلحظ القيّمون عليها يوماً البدء بمشاريع إنتاجية وإنشائية تستوعب الجمهور الغفور لكل منها الذي لا يوفر عِظَةً او خِطبة سواء في ايام الجُمَع والآحاد سواءً بسواء .
ان كل ما تقدّم لا يعفينا ، نحن الشعب اللبناني المقهور المعذَب من مطالبة القضاء وضع إيديه على الفضائح الاخلاقية التي تم الكشف عنها مؤخراً ويندى لها الجبين لما تمثله من انحراف اخلاقي غير مسبوق عن القيم والمُثُل والأعراف ومن العار ان تمر كما غيرها من جرائم مالية واقتصادية وامنية تشكل في مواجهتها جميعاً خشبة خلاص حقيقي لبلد ٍ يغرق وشعبٍ لا ينتظره سوى طوفان الغضب