كتب المحرر السياسي في يوم الارض ، الارض تقاتل مع اصحابها

يوم الارض الفلسطينية ، هو يوم يتم احياؤه منذ سبعة واربعين عاماً ، يوم نفذت جماهير فلسطين في ٣٠ اذار من ذاك العام اضراباً عاماً ، وفيه شهدت الارض المحتلة مسيرات توجهت من الجليل الى النقب احتجاجاً على اقدام سلطات الاحتلال الصهيوني ، على مصادرة الاف الدونمات من الاراضي ذات الملكية الخاصة او المشاع في نطاق حدود مناطق ذات اغلبية سكانية فلسطينية . وفي ذاك اليوم اندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال التي حاولت التصدي للمسيرات ، مما اسفر عن استشهاد ستة فلسطينيين ، وجرح العشرات واعتقال المئات.
ان ذاك اليوم بما انطوى عليه من تحرك شعبي في الاراضي المحتلة الذي اقامت عليه الحركة الصهيونية كيانها، هو اول تحرك جماهيري بهذا الحجم منذ اغتصاب فلسطين. وقد اكتسب الحدث اهمية خاصة في سياق مسيرة النضال الوطني الفلسطيني لانطوائه على اربعة ابعاد.
البعد الاول، هو حصوله في الارض المحتلة التى تعرف بانها ارض ال ٤٨ وعليها اقامت الحركة الصهيونية دولتها.
البعد الثاني ، ان الاعتراض على اجراءات المصادرة للاراضي اتخذ طابعاً شعبياً ، وهو اتسم بالشمولية بحيث كان بمثابة استفتاء شعبي على تجذر الانتماء الوطني لشعب فلسطين وتمسكه بارضه رغم وقوعه تحت الاحتلال.
البعد الثالث ، انه اعاد تسليط الضوء على حقيقة المشروع الصهيوني الرامي الى تهجير ماتبقى من شعب فلسطين في ارضه ، تمهيدا لفرض تهويد كل معالم الحياة في الارض المحتلة ومقدمة لاعلان “يهودية الدولة”. البعد الرابع ، انه اثبت ان الشعب الفلسطيني في الداخل وفي عالم اللجوء والشتات انما يقف على ارضية موقف وطني واحد وانه ينشد الى مرجعيته الوطنية التي تمثلها المقاومة بكل تعبيراتها النضالية ، وان تشبثه بالارض هو نقطة قوة في صراعه المفتوح مع الاحتلال.
ان ما اقدمت عليه دولة الاحتلال يوم ذاك ، لم يتوقف عند تلك الخطوة لانه كان مندرجاً في سياق مخطط صهيوني ، لايقتصر على تهويد كل معالم الحياة في الاراضي التي احتلت في العام ١٩٤٨ ، بل امتد ليشمل تلك التي احتلت ايضاً في عام ١٩٦٧ بعدما ادت عمليات مصادرة الاراضي واغراقها بالمستوطنات الى تغيير في الواقع الديموغرفي وخاصة في الضفة الغربية. وبالمقابل ، فإن الموقف الذي عبرت عنه جماهير فلسطين في يوم الارض ، جعل من ذاك اليوم ، يوماً وطنياً ، ومحطة هامة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني ، وهو الذي اسس لانخراط فلسطيني ال ٤٨ بكل الفعاليات النضالية التي انطلقت ضد تمادي عمليات مصادرة الاراضي في القدس ومحيطها .
ان المشاركة الفاعلة لفلسطيني ال ٤٨ ، في المواجهات اليومية ضد عمليات اقتحام المسجد الاقصى، ادخلتها في مشروع المواجهة الشاملة للحؤول دون تنفيذ “ترانسفير” جديد ، ولحماية “الاقصى” مما يتهدد من مخاطره صهيونية بكل الرمزية التي ينطوي عليها .
واليوم ، وبعد ستة وسبعين عاماً على اقامة الحركة الصهيونية لكيانها الغاصب على قسم من ارض فلسطين ، وبعد احتلالها لكل ارض فلسطين التاريخية بعد حرب ال ٦٧ ، وبعد ستة واربعين عاماً على يوم الارض ، فإن هذا الصراع مع المشروع الصهيوني مازال محتدماً وفيه تتكشف الحقائق التي لم يكشف عنها سابقاً ، وهي ان هذا المشروع يهدف الى اقتلاع شعب فلسطين من كل ارض فلسطين ، سواء ما احتل منها منذ ٧٦ عاماً او ما احتل منها منذ ٥٧ عاماً.
ان الحركة الصهيونية اعتمدت بعد اقامة كيانها السياسي على اعتماد اسلوب القضم والهضم للارض المحتلة وهي تعمل لجعل دولتها تمتد من البحر الا النهر ،وضمن سياق التنفيذ العملاني لهذه الاستراتيجية ، تعمل على تدمير غزة وجعل امكانية العيش صعبة مما يدفع السكان الى النزوح ، وفي مرحلة لاحقة الى تهجير سكان الضفة بعدما باتت اشبه بالارخبيل بعدما قطّعت اوصالها في ظل استمرار مصادرة اراضيها.
واذا كانت الحركة الصهيونية تخطط لجعل حدود دولتها على كامل ارض فلسطين ، فإننا في المقابل لانرى دولة فلسطينية الا على كامل التراب الوطني الفلسطيني. ففلسطين بالنسبة لنا لاتقبل القسمة ، وشعبها هو شعب واحد سواء من كان الاحتلال منذ ٤٨ او منذ ٦٧ او من فرض عليه اللجوء في عالم الشتات. وهنا تكمن اهمية وقف الشعب الفلسطيني اينما تواجد على ارضية موقف وطني واحد في تصديه للمشروع الصهيوني ذي الطبيعة العنصرية، كما تكمن اهمية ارتباطه بمرجعية وطنية واحدة كتعبير عن انخراطه في فعاليات المواجهة على تعدد عناوينها.وضمن هذا الاطار يكون يوم الارض يوماً وطنياً ، لانه اليوم الذي اثبتت فيه جماهير فلسطين ان دفاعها عن هوية الارض التي تقاتل مع اصحابها ، بمقدار ماهو دفاع عن الهوية الوطنية ، وهو الذي يبقي العامل الوطني الفلسطيني عامل استعصاء امام محاولات العدو فرض التهويد والصهينة على معالم الحياة في فلسطين ،كما يبقي القضية الفلسطينية قضية حية الى ان يتحقق التحرير الكامل وتقام الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني