كلمة المحرر

كتب المحرر السياسي من يرتكب “جرائم الامتناع “وجبت محاكمته ايضاً

كتب المحرر السياسي من يرتكب "جرائم الامتناع "وجبت محاكمته ايضاً

كتب المحرر السياسي

من يرتكب “جرائم الامتناع “وجبت محاكمته ايضاً.

الجرائم على انواع ، بعضها ينتج عن فعل يرتكبه فاعل الجريمة ضد الاخر ، وبعض اخر ُيتنج مفاعيله الجرمية عن امتناع الفاعل عن القيام بعمل يحول دون وقوع جريمة بحق فرد او جماعة او بيئة معينة. وقد استندت التشريعات في اسناد التجريم من عدمه الى قاعدة قانونية ،هي “ان لاجريمة دون نص ولا عقوبة دون نص”. ولذلك متى اقترف الفاعل عملاً يقع تحت احكام النص القانوني للتجريم ، استحق العقوبة التي تتلاءم وطبيعة الجرم. وكما نصت احكام القوانين الوضعية على تجريم الفعل المؤدي الى ارتكاب جريمة ، نصت ايضاً على تجريم فعل الامتناع عندما يؤدي فعل الامتناع الى وقوع جرم كان بالامكان تفاديه.
ان الجرائم يرتكبها افرادٌ ، كما ترتكبها مجموعات ودول ، خاصة عندما تكون الاخيرة منخرطة في حروب. وقد ميزت القوانين الجزائية الوطنية والدولية بين الجرائم التي تهدد سلامة الافراد والاموال في بلد معين تكون فيها الصلاحية منعقدة للقضاء الوطني ،وبين تلك التي تهدد المجموعات البشرية سواء كانت منضوية في اطار دول او لم تكن . ولهذا انشئت محاكم دولية للنظر في النزاعات بين الدول ، كما النظر في الجرائم التي تعتبر جرائم حرب او جرائم ضد الانسانية. ومن هذه المحاكم ما هو دائم ، كمحكمة العدل الدولة والمحكمة الجنائية الدولية ، كما محاكم تشكلت في نطاق المجموعات والاتحادات الاقليمية والقارية. ومنها ما هو مؤقت تم تشكيله للنظر في جريمة اعتبرت جريمة حرب او جريمة ضد الانسانية ، كمحكمة نورنبرغ التي شكلها الحلفاء بعد الانتهاء الحرب العالمية الثانية لمقاضاة عسكريين وامنيين وسياسيين المان عن مسؤوليتم بما نسب اليهم من اعمال اعتبرت خرقاً لاحكام قوانين الحرب والقانون الدولي الانساني ، كما محكمة راوندا ويوغسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة للنظر بجريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه.
وبالخروج من التعميم الى التخصيص ، فإن الحرب التي تدور رحاها في غزة ، ترتكب فيها جرائم تجمع مابين جرائم الفعل وجرائم الامتناع. “فإسرائيل” بما هي دولة قائمة بالاحتلال قامت بشن حربٍ على غزة مضى عليها حتى الان ما يقارب خمسة اشهر . وقد ثبت بالحس والملموس ان الكيان الصهيوني في الحرب التي يشنها لم يحترم قوانين الحرب ولا احكام القانون الدولي الانساني التي توجب على المتحاربين تحييد الاهداف الامدنية والاعيان الدينية والثقافية والتربوية والصحية واحترام المركز القانوني لاسرى الحرب وتمكين هيئات الاغاثة من الوصول الى اهدافها في انقاذ المصابين وتوفير الحمايات والاسعافات الاولية لهم.
ان كل الاجراءات المفروضة تحت طائلة المسائلة القانونية لم تلتزم بها “اسرائيل” ، بل انتهكتها بشكل صارخ وارتكبت مجارز بحق البشر والحجر والبيئة الى حد ارتقائها الى مستوى الابادة الجماعية بحق كتلة بشرية برمتها ، من شارك منها بالاعمال العسكرية او من لم يشارك . وهذا ما دفع دولة جنوب افريقيا لان تتقدم من محكمة العدل الدولية بدعوى ضد “اسرائيل”لعدم قيامها بما يكفي للحؤول دون حصول حرب ابادة جماعية .
ان انتهاك “اسرائيل” لقوانين الحرب واحكام القانون الدولي الانساني واتفاقية جنيف الرابعة حول اسرى الحرب ، كافٍ لاحالتها الى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية واكثر من ذلك فإن المطلوب تشكيل محكمة خاصة لمقاضاتها بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وليس حؤولها دون حصول ابادة جماعية وانما ارتكاب جريمة الابادة الجماعية . وهذا ليس غريباً عن طبيعة هذا الكيان الذي يشكل وجوده الاحتلالي لفلسطين حالة عدوان دائمة ومستمرة ، وهو يمارس سياسة الفصل العنصري “الابارتهايد” ضد كل جماهير فلسطين في غزة والضفة الغربية والقدس وارض ال ٤٨.
ان “اسرائيل” ، منذ بدأ التمهيد لقيامها وحتى اللحظة ، ارتكبت “جرائم فعلٍ” عن سابق تصور وتصميم ، وهي كانت وما زالت تحظى بحماية دولية وخاصة من الموقع الاكثر تأثيراً في النظام الاستعماري والذي يستقر اليوم في العقل السياسي الاميركي ، وقد دفع شعب فلسطين اثماناً باهظة لما تعرض له ولما يزل من قتل وتدمير وتهجير وتشريد وهو الذي بلغ اليوم مستويات غير مسبوقة من الاجرام الصهيوني بحقه من خلال مشهدية المجارز التي ترتكب في غزة.
اذاً ، ان “اسرائيل” ارتكبت وترتكب بحق ابناء فلسطين جرائم تندرج تحت توصيف جرائم الفعل المادي المباشر . لكن هل ما تتعرض له جماهير فلسطين ناتج عن الفعل الجرمي الصهيوني المباشر فقط ، ام ثمة اعمال جرمية اخرى تتعرض له من قبل اطراف اخرى ؟ واذا كان ذلك حاصل اية انواع من الجرائم ترتكب بحق ابناء فلسطين ؟
ان التطرق الى من يرتكب جرائم بحق ابناء فلسطين في هذه المقاربة من غير الصهاينة هم ليسوا ممن يصنفون من بين العملاء والمجندين ، بل المقصود من ذلك الذين يرتكبون جرائم ، من خلال امتناعهم عن القيام باعمال تندرج تحت عنوان “جرائم الامتناع”. ومن هولاء اطراف دولية واطراف عربية.
واذا كانت الاطراف الدولية من دول وكيانات وهيئات تنطبق على افعالها جرائم الامتناع اذا ما امتنعت عن اصدار قرارات او القيام باجراءات تحول دون وقوع الجرائم او تدين حصولها ، فإن الاطراف العربية التي تمنتع عن القيام باعمال تحول دون وقوع الجرائم او بالاحرى التخفيف من تداعياتها وهو اضعف الايمان انما تكون مرتكبة لافعال جرمية بحسب مانصت عليه القوانين الوضعية الوطنية والقانون الدولي الانساني .
من “جرائم الامتناع ” ، على سبيل المثال لا الحصر ، الامتناع عن اغاثة ملهوف ، الامتناع عن انقاذ غريق ، الامتناع عن رفع الانقاض وانتشال الضحايا، الامتناع عن معالجة مصاب او مريض ، الامتناع عن ايصال الغذاء والدواء والماء ، الامتناع عن توفير ادوات وتجهيزات لمراكز الايواء ، واخيراً وليس اخرا الامتناع عن القيام بعمل جدي لفك الحصار …
ان مايعاني منه ابناء غزة لايعانون منه على المستوى الفردى وانما على المستوى الجمعي ، “واسرائيل” اذ تتمادى في ارتكاب جرائمها فلانها لم تجد من يقف بوجهها ويتصدى لها الا اهل غزة الذين يواجهون الة الحرب الصهيونية بامكاناتها التدميرية الهائلة والحصار المفروض براً وبحراً وجواً ،فيما العالم وخاصة النظام الرسمي العربي يقف عاجزاً ، ان لم نقل متفرجاً على حرب الابادة الجماعية التي يتعرض لها اهل غزة .
قد يكون النظام الدولي مسؤولا عما يتعرض له شعب فلسطين بالاستناد الى الالتزامات الاخلاقية والقانونية والمواثيق الدولية التي يفترض ان تضفي حمايتها لمن يقع تحت مفاعيل احكامها ، لكن المسؤولية الاولى تقع على الامة العربية وبالاخص على نظامها الرسمي الذي لم يفعل شيئاً من اجل فك الحصار عن غزة ،واستعمال مالديه من وسائل ضغط لوقف العدوان وتوفير مظلة حماية سياسية وانسانية لشعب فلسطين الذي يناضل لاجل استرداد حقوقه المغتصبة وتقرير مصيره ووفق ما نصت عليه المواثيق الدولية التي نصت على حق الشعوب في النضال من اجل الاستقلال وحق تقرير المصير.
ان نظاماً رسمياً عربياً لم يتخذ اجراءات عملية لفك الحصار عن غزة ، ولا ينضم الى دعوى مقاضاة “اسرائيل” امام محكمة العدل الدولية ،ولا يبادر الى تغذية صندوق الانروا بعد وقف مساهمات بعض الدول الاجنبية التي تتبنى وجهة نظر “اسرائيل” حيال وظيفة الانروا وخدماتها، ولا يقطع العلاقات مع العدو الصهيوني ويوقف مسار التطبيع معه ولا يستنفر امكاناته لتوفير الاسناد لشعب فلسطين ولا يفعّل ميثاق جامعة الدول العربية ، هو نظام لاتكفي ادانته وحسب ،ك بل يجب مقاضاته بتهمة ارتكابة جريمة حرب ضد اهل غزة ليس من موقع الفعل المباشر ، بل من موقع الامتناع عن الفعل الذي يحول دون استمرار حرب الابادة الجماعية بحق اهل غزة .
ان من يرتكب جرماً جنائياً يحال الى المحكمة بموجب مضطبة اتهام ، وما يرتكبه النظام الرسمي العربي هو جرم يرتقي حدالجرائم الكبرى ،ولذا يجب تنظيم مضطبة اتهام بحقه واحالتة الى المحكمة ، وهناك سابقة في هذا المجال يوم تشكلت محكمة شعبية عربية لمحاكمة السادات واحتضنتها بغداد . لكن من هي المحكمة التي ينعقد اختصاصها للنظر بما هو منسوب لهذا النظام من افعال جرمية ؟ انها محكمة الشعب العربي التي يفترض تشكيلها من ابناء الامة الشرفاء الذين يقاضون شخوص هذا النظام استناداً الى مضطبة الاتهام االتي تنطوي على التهم المنسوبة الى هذا النظام لارتكابه جرائم بحق ابناء فلسطين تندرج تحت عنوان “جرائم الامتناع”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى