كلمة المحرر

كتب المحرر السياسي  حول مبادرة جنوب افريقيا بمقاضاة “اسرائيل”

كتب المحرر السياسي

حول مبادرة جنوب افريقيا بمقاضاة “اسرائيل”
لايعرف الشوق إلا من يكابدهُ           ولا الصبابةُ إلا من يعانيها
ولايسهرُ الليل ألا من به ألم ُ             ولا تحرق النار إلا رجل واطيها
                                                             (ابو الطيب المتنبي )
استهلال المقالة بهذين البيتين من الشعر للمتنبي ،سببه تقدم دولة جنوب افريقيا بدعوى امام محكمة العدل الدولية ، لمقاضاة “اسرائيل” ، بما هي دولة قائمة بالاحتلال لفلسطين لعدم قيامها بما يكفي   لتحاشي حصول حرب ابادة جماعية  . وقد صدر عن المحكمة بتاريخ ٢٦ كانون الثاني قراراجرائي طارئ قضى في بنده الاول  ،بان الشعب الفلسطيني هو مجموعة محمية بموجب اتفاقية الابادة الجماعية ، وفي بنده الاخير  “على  اسرائيل الالتزام بتجنب كل مايتعلق بالقتل  الاعتداء والتدمير بحق سكان غزة ” .
ومن يقف على طبيعة السلوك الصهيوني في فلسطين المحتله ، لايتبين ان هذا السلوك لا يقتصر على اعمال القتل والتدمير والاعتداء على كتلة بشرية برمتها وحسب ، بل يتناول ايضاً تعامل “اسرائيل” مع  السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال ، وهو الذي ادرجته منظمات حقوق الانسان ومنها “منظمة العفو الدولية” “وهيومن رايتس”  ،تحت توصيف سياسة الفصل العنصري ( الابارتهايد ) ، وهوالوصف الذي اسبغ على سلوك النظام السياسي الحاكم في جنوب افريقيا وروديسيا قبل سقوطهما.
ان العالم تعرّف الى طبيعة ذلك السلوك من خلال التمييز الذي مارسته السلطات الحاكمة في هذين البلدين ضد سكان البلاد الاصليين ، وهو ماجعلهم  ُيحْرَمون  من ابسط الحقوق المدنية. وهذا الحرمان شكل الاساس الذي ارتكز عليه النضال السياسي والاجتماعي  الذي قاده المؤتمر الوطني وكان من ابرز قادته نيلسون مانديلا الذي قضى  ٢٧ عاماً في السجن معظمها كان مع الاشغال الشاقة ، وتنقل بين ثلاثة سجون ، اولاً في جزيرة روبن آيلاند ،ثم في سجن بولسمور وسجن فيكتور فيرستر . ولم يسقط حكم النظام العنصري الا بعد صراع  دامٍ بين سكان البلاد الاصليين  والمناهضين للعنصرية في البلاد في مواجهة الاقلية العنصرية ، وبالتوزاي مع حركة دولية ضد نظام الفصل العنصري . وبسقوط النظام العنصري في جنوب افريقيا وروديسيا ، لم يبق من نظام حاكم على اساس  الفصل العنصري سوى نظام الكيان الصهيوني .
لقد اعتبرت  هيئة الامم المتحدة في قرارها  رقم ٣٣٧٩ الصادر بتاريخ ١٠  تشرين الثاني ١٩٧٥ ، ان الصهيونية هي شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري .  وهذا القرار الغته الامم المتحدة بتاريخ ١٦ كانون الاول عام ١٩٩١ في القرار رقم ٦٤/٨٦ ، نتيجة ضغط اميركي بعد انهيار  الاتحاد السوفياتي وسقوط النظام الدولي الذي كان قائماً على قاعدة الثنائية الاستقطابية.  وبعد الحرب التي شنها التحالف الدولي الذي قادته اميركا ضد العراق في بداية العام ١٩٩١ وما ترتب عليها من نتائج.
ان “اسرائيل” قبل اعتبار الصهيونية شكلاً من اشكال العنصرية والتمييز العنصري وفق مانص عليه القرار الاممي ، وبعده ، كما بعد الغائه لم تغير من نمط سلوكها وتعاملها بما هي سلطة احتلال مع السكان الاصليين الواقعين تحت الاحتلال وهم الفلسطينيون  . بل على العكس شكل هذا السلوك العنصري ثابتاً من الثوابت التي تستند اليها سلطة الاحتلال في التعامل مع السكان الذين حرموا من ابسط حقوقهم المدنية كما السياسية.
ولهذا فان دولة جنوب افريقيا ، وهي الدولة التي عانى سكانها من عسف سياسية الفصل العنصري ، تعرف اكثر من غيرها طبيعة النظام العنصري وما ينطوي عليه سلوكه من ظلم سياسي واجتماعي بحق السكان الاصليين. وهو مايجعل بيت الشعر ينطبق عليها ، لانه لايعرف الجرائم التي يرتكبها نظام الفصل العنصري بحق السكان الاصليين  ، الا من كابده واكتوى بناره.  وهذه ليست المرة الاولى التي تنتصر فيها دولة جنوب افريقيا للحق الوطني والانساني الفلسطيني ، بل سبق وسجلت سابقة اخرى ، عندما  استطاعت من خلال عضويتها في الاتحاد الافريقي من منع “اسرائيل”اكتساب عضوية الدولة المراقبة في الاتحاد.
صحيح ، ان القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية ، لايتمع بقوة التنفيذ الجبري ، الا ان قوته المعنوية تجعله يشكل قاعدة ارتكاز لاطلاق حملة عالمية ضد ما ارتكبته “اسرائيل” : اولا،ً بعدم منعها حصول حرب ابادة جماعية ،  وثانياً بثبوت ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ، وهي الجرائم التي يفترض ان تقاضى “اسرائيل”علبها امام المحكمة الجنائية الدولية. ويبقى الاهم من كل ذلك ،  هو المبادرة للانضمام  الى دعوى جنوب افريقيا من كل الدول التي تعارض العدوان على غزة والتي تدعو الى تمكين الفلسطينين من استرداد حقوقهم الوطنية المغتصبة والمستلبة .
ان هذا الانضمام  لايدعم موقف جنوب افريقيا القانوني والقضائي وحسب ، بل يوجه رسالة سياسية الى كل الذين يدعمون الكيان الصهيوني في عدوانه كما في انتهاكه لاحكام القانون الدولي الانساني ، بإن سياسة الافلات من العقاب القانوني كما السياسي ،لمن يرتكب حروب ابادة جماعية وجرائم حرب وجرائم فصل عنصري ، قد تراجعت تأثيراتها  ، وان مرحلة جديدة بدأت تشق طريقها لمقاضاة من يثبت ارتكابه جرائم ضد الانسانية ، وما مبادرة جنوب افريقيا الا الخطوة الاولى في رحلة الالف ميل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى