كلمة المحرر

كتب المحرر السياسي خداع اميركا وكذبها ونهج التقية

كتب المحرر السياسي

خداع اميركا وكذبها ونهج التقية

حرب الابادة والتجويع والقتل العشوائي التي يشنها الكيان الصهيوني على عزة ، بالتزامن مع شن حملة اعتقالات وتصفيات شملت الضفة الغربية والقدس ، لم تتوقف لحظة منذ انطلقت الة الحرب الصهيونية بعد السابع من اكتوبر لتقتل وتحرق البشر وتدّمر الحجر ، وتحول الارض الى اخاديد وحفر ، دون ان تكون ابهة بأية ردود فعل سياسية او انسانية. وها قد دخل الشهر السادس لهذه الحرب التي لم تحترم فيها قوانين الحرب ولا احكام القانون الدولي الانساني ، ومشهد الاجرام الصهيوني مازال يظلل مسرح العمليات العسكرية واكثرها فظاعة ارتكاب مذابح بحق الذين يتهافتون على استلام مواد اغاثية ، لم تستطع دول العالم التي ابدت استنكاراً للهمجية الصهيونية والتعاطف الانساني مع المحاصرين ضمن زنار الصهيوني ، ان تفك الحصار المفروض او ان تحدث اختراقاً في جداره الذي يحرق من يحاول الاقتراب منه ، اما عجزاً اما تواطؤاً واما تخاذلاً واما تآمراً .
ان البديل الذي اعتمد لايصال المواد الاغاثية الى الذين هم عرضة لحظة بلحظة للموت بنار العدو او بالجوع والعطش وتفشي الامراض وانعدام الخدمات الطبية وتدمير مراكز الايواء الانسانية ، هو انزال المواد من الجو عبر طرود بعضها سقط في البحر وبعض اخر كان بمثابة مصيدة ذهب ضحيتها الالاف من الذين تهافتوا للحصول مايقيهم وقْع الموت جوعاً.
هذا الانزال الحوي الذي غلب عليه الطابع الاستعراضي والفولكلوري، لم يؤد الغاية المروجة منه لايصال المساعدة الى كتلة بشرية يفوق عددها المليونيي وقد حرمها العدوان الصهيوني المتمادي من ابسط مقومات الحياة.
اننا لن نتوقف كثيراً عند ابعاد السلوك الصهيوني في ادارته لهذه الحرب ، لانه نتاج سلوك كيان غاصب ،قام على العدوان وتوفرت له الحماية الدولية في اطار الوظيفة التي انشئ لاجلها. وعندما يكون كيان ،عنصري بطبيعته وتاريخه حافل بالجرائم التي صنفتها المواثيق والاعراف الدولية بانها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ، فهو بطبيعة الحال لايعير اهتماماً لقوانين الحرب ولا لاحكام القانون الدولي الانساني ، وبالتالي فإن كل مايرتكبه من فظائع وحشية انما تنم عن مكنوناته تجاه شعب يعمل لمحو هويته الوطنية ، كي يبرر لنفسه هوية مصطنعة تقوم على انقاض الهوية التي يعمل لاسقاطها.
نقول اننا لن نتوقف كثيراً عند ما يرتكبه العدو حيال شعب فلسطين وسائر اقطار الامة من جرائم كون الوعاء ينضح بما فيه. إنما مايجب التوقف عنده هو موقف الدول التي تتباكى على حقوق الانسان وتتصرف بعكس ما تعلنه من اسفها او انزعاجها اواضعف الايمان قلقها على تردي الحالة الانسانية. واذا كانت كثيرة الدول التي تمارس هذه الازدواجية فان الاكثر صفاقة هو الموقف الاميركي .
ان القول بأن اميركا هي الداعم الاول لا بل الحاضن الاساسي للمشروع الصهيوني بكل تجلياته وتعبيراته وسياقاته ، لايحتاج الى براهين وادلة ، لان حقيقة الموقف الاميركي لايعبر عن نفسه مداورةً وانما مباشرة ً.ولو تم احصاء عدد المرات التي مارست اميركا فيها حق النقض في مجلس الامن ضد كل قرار يدين “اسرائيل” او يدعوها لاحترام حقوق الانسان واحكام القانون الدولي العام واتفاقية جنيف الرابعة ١٩٤٩ حول اسرى الحرب والقرارات الدولية ذات الصلة بحقوق شعب فلسطين ، لفاق العدد كل قرارات النقض التي مارستها كل الدول منذ تشكل مجلس الامن وعطل صلاحيات الهيئة العامة للامم المتحدة وادوار الدول الاخرى التي لاتتماهى مع الموقف الاميركي حيال العديد من النزاعات ذات الطابع الدولي.
ان اميركا التي سارعت الى حشد اساطيلها في شرق المتوسط وعلى طول شواطئ فلسطين بعد السابع من اكتوبر ، واقامت جسراً جوياً لامداد الكيان الصهيوني بالسلاح وكل مايحتاجه لادامة حربه التدميرية الشاملة ، تلوح بانها ستعمل على انزال جوي للمواد الاغاثية . فاذا كان الحس الانساني قد تحرك لدى ادارتها وهي التي وفرت وتوفر التغطية السياسية والدعم العسكري والاقتصادي والمالي ، فلماذا لاتتخذ موقفاً واضحاً من استمرارية العدوان ، ولماذا تعارض وقف اطلاق النار الدائم وفك الحصار مع اصرارها على هدن مؤتة تمكن من اجراء مفاوضات لاطلاق الاسرى لدى المقاومة وفيهم بعض من حملة الجنسية الاميركية .؟
ان هذا يعني ان اميركا لاتختلف مع “اسرائيل” ، على جوهر الموقف من خلفية الحرب التي تشن على شعب فلسطين ، وانما التباين حاصل على التفاصيل الصغيرة التي لاتؤثر على مرتكزات العلاقات الاستراتيجية للتحالف الصهيو – اميركي.
ان اميركا بامكانها ان توقف هذه الحرب باعلان موقف من استمراريتها او من استمرار الحصار. وسبق ان اتخذت موقفاً من العدوان الثلاثي على مصر ، يوم اتفقت اميركا( ايزنهاور ) والاتحاد السوفياتي (خروتشوف )على توجيه انذار لدول العدوان الثلاث بريطانيا وفرنسا واسرائيل ، بوقف العدوان والا ؛ لما توقفت تلك الحروب في ذاك الوقت في حدود ما وصلت اليه ، والتي اعقبتها مفاوضات افضت الى انسحاب قوات دول العدوان الثلاثي من سيناء وشرق السويس.
ان اميركا التي تلوح بانزال مواد اغاثية من الجو ، هي التي مدت جيش العدو بالسلاح الذي يقتل فيه المتهافتون على استلام حصص من مواد الاغاثة.
ان الفلسطينيين لايريدون مواد اغاثية اميركية في نفس الوقت الذي تغدق فيه المساعدة والدعم العسكري لجيش الاحتلال .بل كل مايريدونه هو موقف واضح يصدر عن جهة مخولة وتملك صلاحية تنفيذ القرار تحت طائلة فرض العقوبات والتنفيذ الجبري .
وفي ظل ادارة اميركة كانت ومازالت تجسد الحاضن الاساسي للمشروع الصهيوني ،لامراهنة على تبدل نوعي في الموقف الاميركي لصالح القضية الفلسطينية. ولذلك فان الموقف الاميركي هو موقف كاذب ومخادع ، ولا يمكن الركون اليه ، وبالتالي يجب ابقاء الموقف منه في اعلى درجات الرفض والادانة باعتباره الرافعة للمشروع الصهيوني الذي يشكل القاعدة المتقدمة للمشروع الاستعماري الاشمل في السيطرة على الوطن العربي.

وما يقال عن الكذب والخداع الاميركي حيال موقفه من الصراع العربي الصهيوني ، وجولات الحروب ضد شعب فلسطين والامة العربية ، يقال ايضاً عن خداعه وكذبه في التعامل مع المشروع الايراني الذي اندفع الى العمق القومي بما وفرته اميركا لهذا الاندفاع من تسهيلات.
ان اميركا هي من ادخلت “الدب الايراني” الى الارض العربية من بوابة العراق ، وهذا الدب الذي عبث بالامن القومي والمجتمعي العربي ما كان ليصل الى هذا المستوى من الخطورة ، لولا غض النظر الاميركية وتوظيف ما احدثه من تخريب في بنى المجتمع العربي في اضعاف عناصر المناعة العربية ، وتوسيع مروحة التطبيع مع العدو الصهيوني. ولذلك لايكمن ان تصل الحال بين اميركا والنظام الايراني في ضوء مايخطط له امبريالياً للوطن العربي الى الحرب بينهما ، وانما الاساس الذي يحكم الرؤية الاميركية حيال النظام الايراني هو سياسة الاحتواء ،وليس الاسقاط ، لان هذا النظام هو ضرورة لقيام ماتسميه اميركا الشرق الاوسط الجديدالذي تحفظ به اميركا حصة للنفوذ الايراني ضمن حدود قواعد الاحتواء وليس الشراكة المتساوية . ان هذا السلوك الاميركي في التعامل مع النظام الايراني وضعت الادارة الاميركية اسسه في عهد رئاسة اوباما ، والادارة الحاليه تسير الدرب ذاتها، ومن يرى غير ذلك فليعد الى كتاب ” حلف المصالح المشتركة”, التعاملات السرية بين ” اسرائيل”وايران والولايات المتحدة لمؤلفته “تريتا بارزي” ، والصادر عن الدار العربية للعلوم – ناشرون. ولذلك فان ماينطبق على الكذب والخداع الاميركي حيال التعامل مع القضية الفلسطينية سياسياً وانسانياً في طبيعة العلاقة الاميركية الصهيونية ينطبق على طبيعة العلاقات الاميركية الايرانية حيال قضية الامن القومي العربي وتهميش دور المركز العربي في ادارة الصراعات بكل مايتعلق بامن المنطقة وثرواتها.
وما يقال عن الكذاب والخداع في مواقف اميركا حيال قضية شعب فلسطين وعلى الاقل في بعدها الانساني ، والكذب والخداغ في طبيعة العلاقة الاميركية والايرانية وابعادههاالمرحلية والاستراتيجية ، يقال ايضاعن علاقة اميركا مع القوى التي افرزتها الصراعات الداخلية في بعض الاقطار العربية ، بعد زلزال العراق بكل انعكاساته وتداعياته ، والاستثمار السياسي الذي يتم بهذه القوى ، والتي لم يعد خافياً على احدٍ ، انها نتاج العلاقة المموهة بين ايران واميركا. وهذا ماينطبق على الجماعات التكفيرية كداعش وامثالها وكل القوى الميلشياوية المرتبطة بمركز التحكم والتوجيه الايراني ، من مجموعات مايسمى الحشد الشعبي في العراق الى انصار الله في اليمن وحزب الله في لبنان على سبيل المثال لا الحصر.
ان هذه القوى المقطورة بعجلة الاجندة الايرانية باتت اعمالها تصب في خدمة الاستراتيجية الاميركية ولو كان على حساب المصالح الوطنية للاقطار التي تنشط بها سواء كانت مدركة لذلك او لم تكن . . ولهذا فان اميركا لاتجد ضيراً في نسج علاقات تحت الطاولة مع هذه القوى وتمكينها من تحقيق مواقع ومكاسب سياسية في الهياكل السلطوية في الاقطار المتواجدة فيها اذا ما ساعدت في توفير مناخات النجاح للمشروع الاميركي الذي يحتل امن “اسرائيل ” وامن النفط والغاز موقع الاولوية فيه. وعليه فإن اميركا تمارس الخداع والكذب في علاقاتها مع هذه القوى ، وبمعرفة الراعي الاقليمي لهذه القوى.
ان هذه القوى التي يتم الاستثمار بها وان كانت مرتبطة بعلاقات سياسية وتمويلية غير عربية ، الا ان بيئتها الشعبية تبقى جزءاً من النسيج الشعبي العربي ،وهذا ينطبق على الطائفة الزيدية في اليمن كما على حيز واسع من “البيئة الشيعية ” في لبنان والعراق والبحرين وعذراً لهذا التوصيف الذي لانقره بل ندرجه تحت عنوان التوصيف القائم .
ان ابناء هذه البيئات هم عرب اقحاح بانتمائهم القومي ، ولا يجوز النظر اليهم باعتبارهم جاليات من خارج النسيج القومي.وهذا يفضي الى رفض وادانة كل سلوك سياسي وعسكري يتعامل مع هذه البيئات وكأنها من خارج مكونات الامة الاساسية.وان اطلاق مواقف ضد نهج هذه القوى يجب ان يبقى في اطاره الفوقي ولا يُسْقَطُ على البيئات الشعبية .
فاذا كانت اميركا وايران ومعها “اسرائيل” يريدون تصوير الامر وكأن هذه هذه البيئات كما غيرها من اقليات اثنية او جهوية هي مغرّبة عن واقعها القومي ، فإن المسؤولية القومية تفضي الى التأكيد على عروبة هذه البيئات ، وبغض النظر على ظرفيات تسيد المشهد السياسي لهذه القوى التي تفرزها معطيات الصراع على مستوى الكل القومي او على مستوى الجزء الوطني.
ان المشهدية السياسية التي تتسيد فيها قوى معينة واقعاً مهميناً على هذه البيئات ، هي حالة ظرفية ستضعف تأثيراتها وتسير نحو الزوال بضعف حاضناتها ومغذياتها الاقليمية والدولية وكل من يضمر شراً بالامة العربية ، وهولاء سيعودون الى الحضن القومي الدافئ ليس بمعنى العودة من الخارج لانهم كانوا وما زالوا في الداخل وانما العودة بالولاء السياسي للمشروع الوطني والولاء بالهوية للمشروع القومي.
من هنا ، وانطلاقاً ، من كون الامن القومي العربي هو وحدة عضوية ، واي تصدع لاي من مكوناته ارضاً وبيئات شعبية ، انما يؤدي الى تصدع في البنيان القومي وتفسح في النسيج الاجتماعي ، فأن كل عمل عسكري ضد هذه البيئات وان كانت القوى المهيمنة فيها تدور في فلك سياسي غير سويٍ وطنياً وقومياً ، فأنما هو عدوان موصوف على الامن القومي ويجب مقاومته وادانته.
على اساس هذه الرؤية فان القصف الاميركي والمتعدد الجنسيات لليمن تحت عنوان ضرب منصات”الحوثيين” وكذلك القصف الاسراىئيلي للعمق السوري والمتواصل على لبنان هو عدوان موصوف وبالتالي يجب مقاومته وادانته وهذا اضعف الايمان.
ان اميركا التي تكذب وتخادع في تظهير تباين موقفها مع “اسرائيل” بما يتعلق بالجانب الانساني وكذلك كذبها وخداعها في علاقاتها مع ايران ، فان تكذب في الاسلوب الذي تنتهجه في توفير الحماية للملاحة في البحر الاحمر . فطالما اميركا مازالت تعيق وتعطل الحلول السياسي للازمات التي عصفت ببعض الاقطار العربية لتمهد الارضية للصفقة الشاملة واعادة انتاج نظام اقليمي جديد ، فليس بهذه الطريقة”توردالابل” ،في حماية الملاحة في البحر الاحمر.
ان حماية الملاحة في البحر الاحمر ،انما تكمن في انتاج حل سياسي تنضوي فيها كل القوى والبيئات المجتمعية ومنهم الطائفة الزيدية التي تشكل كتلة وازنة في التركيب السكاني يتيح ادارة شؤون اليمن على قواعد الديموقراطية السياسية واستناداً الى وحدة الارض والشعب والمؤسسات وخاصة المؤسسة الارتكازية الاهم وهي الجيش هو الذي يوفر الامن الوطني لليمن وهو الذي يعيد للبحر الاحمر امانه ، ولا يعود مسرحاً لتوجيه الرسائل بالنار.
وبما ان اميركا لاتريد ان يعود اليمن دولة مركزية وكذلك العراق وسوريا ولبنان ، فهي تعمل على ابقاء القوى التي تعمل خارج اطار الشرعية الوطنية تمارس انشطتها لمنع قيام الدولة المركزية من خلال ادوارها في ادارة الصراع وتأجيجه ولا يضيرها اعلان المواقف ،العدائية في ظاهرها من هذه القوى، والمتصالحة معها في مضمرها . وهذا ما بدا جلياً يوم كانت الشرعية قاب قوسين او ادنى من استعادة ميناء الحديدة الى حاضنته الوطنية الشرعية فاذ بالضغط الاميركي الذي مورس عبر المبعوث الاممي يدفع الى انكفاء قوات الشرعية عن الحديدة كي تبقى الامور ترواح مكانها ولاجل ان يبقى الحل مفتوحاً على تلبية المصلحة الاميركية على حساب المصلحة الوطنية اليمنية .
ان ثمة تلاقحاً بين السلوكين الاميركين والايراني ، وثمرة هذا التلاقح هو اعتماد نهج التقية في تظهير المواقف. ، ومن اعتمد الاسلوب في تبرير الحرب على العرب لتدميره لايتواني عن ارتكاب كل الموبقات التي تخدم مصالحه.
فحذار الوقوع في افخاف خداع اميركا وكذبها ونهج التقية في سياسة ازدواجية المعايير التي تعتمدها وبشكل خاص مع الملف الفلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى