قيادة قطر لبنانمقالات

في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية فرنسا امام ازمة حكم – المحامي حسن بيان

في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية

فرنسا امام ازمة حكم

المحامي حسن بيان

في خطوة استباقية لتفاعلات انتخابات الاتحاد الاوروبي التي منحت مايسمى باليمين المتطرف تقدماً ملحوظاً في تمثيله للدول في الاتحاد على سائر المكونات السياسية وخاصة في دول اوروبا الكبرى ، المانيا وفرنسا وايطاليا، اقدم الرئيس الفرنسي على حل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات نيابية مبكرة ، لم تعط نتائجها، اغلبية مطلقة لواحدة من الكتل الرئيسية الثلاث. وهي كتلة الرئيس ماكرون التي حلت ثانية ، كتلة اليمين التي حالت ثالثة وكتلة الجبهة اليسارية التي حلت اولى ، هذا الى كتل صغيرة ، لايكفي انضمامها الى ايٍ من الكتل الثلاث لتأمين اغلبية مطلقة. وبعدم تمكن ايٍ من الكتل الثلاث الحصول على الاغلبية المطلقة ، فان الرئيس الفرنسي سيكون امام خياران لاثالث لهما ، الاول هوالدخول في ائتلاف مع احدى الكتلتين الاخريتين ، وإما تشكيل حكومة اقلية ، وفي كلتي الحالتين فان الاشكالية السياسية حاصلة. فحكومة الاقلية ستواجه باستعصاء الحصول على ثقة من الجمعية الوطنية التي لاتملك اغلبية مطلقة فيها، وان حصلت عليه نتيجة تسوية معينة ، فانها ستكون امام مشكلة سن القوانين وتمريرها والارجح ان هذا الاحتمال مستبعد .واما الاحتمال الثاني فهو الدخول في ائتلاف مع احدى الكتلتين ، والمطروح هو التحالف مع “كتلة تحالف اليسار” التي تتشكل من ثلاثة اطراف رئيسية ، الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي وحزب “فرنسا الابية”. ان هذه الكتلة تقدمت بعدد ضئيل على كتلة ماكرون ، ولذا فانها تطالب بان تؤول اليها رئاسة الحكومة . واذا ماتم ذلك ، فإن الحكومة التي ستتشكل ستكون اما حصلية ائتلاف مع “الكتلة الماكرونية” وهي ستكون اسيرة التجاذبات بين مكونيها الاساسيين ، او انها ستشكل حكومة منفردة وعندئذٍ ستكون اسيرة التفاهم مع ماكرون وكتلته في ادارة شؤون البلاد ، الا اذا تفككت عرى هذا التحالف اليساري ، فاسحة المجال لتحالفات جديدة غير تلك التي فرضت نفسها في العملية الانتخابية . وفي جميع الحالات فان فرنسا هي على ابواب ازمة حكم قلما شهدت فرنسا مثيلاً لها في العهود السابقة ، وهذا ماسيؤدي الى انتخابات نيابية جديدة علّ ذلك يؤدي الى تعديل في انصبة القوى التي تتشكل منها الجمعية الوطنية. لكن يبقى السؤال الاساسي هو ، هل ستؤثر نتائج الانتخابات الفرنسية على تحول جذري في السياسية الفرنسية خاصة بما يتعلق بعلاقاتها الدولية .؟
لو تم التدقيق بالسبب الذي املى حصول التسونامي الانتخابي لعضوية برلمان الاتحاد الاوروبي والذي منح مايسمى باليمين الاوروبي هذا الحاصل الملحوظ ، لتبين ان سببه يتمحور حول عاملين ، الاول ،ويتعلق بالازمة الاقتصادية التي ترخي ظلالها على اقتصاديات الدول الاساسية في الاتحاد الاوربي وسببها الانكماش الاقتصادي والتضخم الذي ادى الى ارتفاع في اسعار السلع والخدمات ،والثاني ،يتعلق بما بات يعرف بازمة الاندماج بعد ارتفاع عدد الوافدين بطرق شرعية او غير شرعية الى اوروبا ، وبات عددهم في العديد من الدول الاوروبية يشكل كتلاً وازنة لايمكن لاحد ان يسقط تأثيراتها في ترجيح الاتجاهات السياسية الداخلية وهي بطبيعة الحال لن تصوّت لما يسمى باليمين الذي تستبطنه دعوات عنصرية . وقد ركز ماسمي باليمين على هذين العاملين في حملاته الانتخابية سواء على مستوى الكل القاري الاوروبي او على مستوى “الوطنيات “، التي وان تميزت بخصوصيات معينة الا ان المشتركات تبدو واسعة خاصة في دول الحوض الاوروبي. واذا كانت الانتخابات الفرنسية سجلت تراجعاًلما يسمى لجبهة اليمين بنسبة تمثيلها في الجمعية الوطنية عما حصل في انتخابات البرلمان الاوروبي ، فهذا سببه الاساسي آلية التحالفات الانتخابية بين كتلة ماكرون واليسار، ولو لم يحصل هذا التحالف لكانت النسبة حافظت على مستواها كما اظهرتها انتخابات البرلمان الاوروبي. من هنا فإن هذين العاملين هما اللذان حدد الاتجاهات الاساسية للمسار والمزاج الانتخابيين وليس القضايا الخارجية. اذ على رغم الفوارق السياسية البسطية في علاقات فرنسا الخارجية ، الا أنها تبقى محكومة بضوابط تملي على الكل البقاء تحت سقوفها. من العضوية في الاتحاد الاوروبي ، والعضوية في مجموعة السبعة ، كما العضوية في حلف شمالي الاطلسي ، والموقف من الحرب الاوكرانية – الروسية. وبالنسبة للعضوية في الدوائرالثلاث الاخيرة فهي محكومة بسقف الموقف الاميركي ، واما مايتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية والاعتراف بدولة فلسطين ، فلولا الضغط الاميركي لكانت كثير من الدول تملصت من القيود الاميركية ونحت نحواً اكثرا استقلالاً ومنها فرنسا.
اذاً ، ان الوضع الداخلي ، ماتعلق منه بالواقع الاقتصادي او ماتعلق منه بقضية الاندماج هو الذي فرض نفسه على مزاج الناخب الاوروبي بشكل عام والفرنسي بشكل خاص ، وهذا الواقع سيبقى يتفاعل في الاوساط الاوروبية باتجاه تمحورات اكثر شدة ، والارجح انه لن يكون في مصلحة اتجاه مايسمى باليمين المتطرف ، وان كان سبباً لبروز ازمات حكم وفرنسا نموذجاً، وهي بما تمتاز به من حيوية سياسية ،فأنها تعطي المؤشر للمسار العام للتحولات السياسية الاكبرى .
لقد ربح ماكرون جولة الحد من اندفاعة مايسمى “اليمين المتطرف”، الا انه دخل في مأزق ازمة حكم عنوانها الاول تشكيل الحكومة. وحتى اللحظة لا احد يملك الاجابة عن كيفية الخروج منها.
Hassan_bayan @hot mail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى