تلاشي نظامي الصحة والتعليم في السوادن بنيران المتحاربين نعمت بيان – مستشارة المرأة واالطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية، وعضو الهيئة الإدارية في منظمة المغتربين العرب في السويد
تلاشي نظامي الصحة والتعليم
في السوادن بنيران المتحاربين
نعمت بيان – مستشارة المرأة واالطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية، وعضو الهيئة الإدارية في منظمة المغتربين العرب في السويد
4/7/2024
لم ترحم الحرب القائمة في السودان منذ نيسان/أبريل 2023 بين البرهان وحميدتي لا البشر ولا الحجر، والتي تسببت في نزوح الملايين في داخل البلاد وخارجها، مع أزمة مجاعة وانعدام أمن غذائي غير مسبوقة ، وتدمير وتخريب كل البنى التحية ، وضرب كل القطاعات الإنتاجية ( زراعية وصناعية وتجارية ومصرفية)، وكنا قد أشرنا لها في مقال سابق، ونستكملها اليوم بقطاعي الصحة والتعليم الذين لحقت بهما حالة الإنهيار.
1-القطاع الصحي ” الهش” في وضع حرجٍ وعلى حافة الإنهيار
يشهد القطاع الصحي في السودان إنهيارا” كبيرا” بسبب الظروف الأمنية التي تعيشها البلاد منذ نيسان/أبريل 2023. حيث تعرضت معظم المراكز الصحية والمستشفيات في كافة المناطق والأقاليم التي تقع تحت نيران المتحاربين للتدمير والنهب ، مع صعوبة تأمين الأدوية واللقاحات الضرورية والمعدات اللازمة، إضافة إلى النقص في الموظفين، مما يعرض أكثر من 8 ملايين طفل دون سن الخمس سنوات للخطر بسبب عدم تمكنهم من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية المنُقذة للحياة.
هذا وقد اعتبرت منظمة اليونيسيف في تقرير لها، أن النظام الصحي في السودان هش، إذا أن المؤشرات الصحية منخفضة باستمرار والتفاوتات هائلة بين المناطق. وحسب تقديرات المنظمة، يموت سنويا” ما يُقارب 78000 طفل دون سن الخامسة لأسباب يمكن الوقاية منها مثل الملاريا، وإن هذا الرقم سيتضاعف ثلاث مرات إن استمرت الإستثمارات في قطاع الصحة في الإنخفاض.
وحسب تقرير اليونيسيف، يشكل الحصول على الخدمات الصحية في أغلب الأحيان تحديا” كبيرا” للأسر السودانية، حيث يضطر ما يُقارب الـ 70% من السكان الوصول إلى المرافق الصحية في غضون 30 دقيقة من منازلهم، وفي حالات أخرى ساعة، وهذه المرافق تفتقر إلى شروط الجودة الصحية الكافية. كما يشير التقرير إلى أن العاملين في هذه المرافق يفتقرون إلى المهارات في المجال الصحي، وبالتالي فإن تغطية الخدمات الصحية للأمهات والأطفال هي في أدنى مستوياتها، والتي بدورها تؤدي إلى أعداد كبيرة من الوفيات التي لا تقتصر على الأطفال، بل على النساء الحوامل أيضا”، حيث ترتبط وفيات الأمهات بالنقص في عدد القابلات القانونيات الماهرات والرعاية في فترة ما قبل الولادة. وقد قُدر عدد وفيات الأمهات بنجو 295 لكل 100.000 ولادة حية، ومعظم الوفيات ناتجة عن الولادات المنزلية دون وجود قابلات قانونيات ماهرات، بالإضافة إلى نقص الرعاية التوليدية في المرافق الطبية.
من جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها تاريخ 24 آيار/مايو 2024 من أن نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول اليها، فيما تًدمر الرافق الصحية وتتعرض للنهب وتعاني من نقص حاد في الأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات بالإضافة إلى الموظفين.
وحسب ممثل المنظمة، كريستيان ليندميير، “أن ما بين 20 و30% من المرافق الصحية في البلاد لا تزال تعمل، وحتى بالحد الأدنى من المستويات، وإن الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25% من الإحتياجات”. ويضيف ليندميير، “أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض السكري، أو السرطان أو الفشل الكلوي أو ارتفاع ضغط الدم ، قد يتعرضون لمضاعفات أو يموتون بسبب عدم وجود علاج، ناهيك عن زيادة تفشي أمراض الملاريا والحصبة وحُمى الضنك والتهاب الكبد” . كما تنتشر هذه الأمراض أيضا” في تشاد الذي لجأ اليها الآف المواطنين، معظمهم من النساء والأطفال، مع تعرّض العديد من النساء والفتيات لجرائم الإغتصاب، مع انتشار سوء التغذية على نطاق واسع خاصة بين الأطفال، حيث يتم تسجيل ما بين 1500 و2000 حالة سوء تغذية كل أسبوع، مما أدى إلى وفاة 320 شخصا حتى الآن بين اللاجئين والسكان المضيفين، وغالبيتهم من الأطفال. وإذا لم يتم زيادة االموارد والمساعدات، ستؤدي حتما” إلى كارثة صحية حسب ممثلة منظمة الصحة العالمية بلانش أنيا. كما تنتشر الأمراض بشكل كبير نتيجة الإكتظاظ في مخيمات اللجوء التي تعاني من نقص في الموارد، ولا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية، مما يخلق حالة طوارىء صحية خطيرة”. عدا عن النقص الحاد في الموارد لمعالجة الأشخاص الفاريّن من الحرب الذين يعانون من أمراض نفسية صعبة.
ونتيجة للظروف الأمنية المعقدة ، أصبحت معظم المراكز الصحية خارج الخدمة، إضافة إلى أن العاملين في مجال الرعاية الصحية لم يحصلوا على رواتبهم منذ أشهر. ولكن من جانب آخر ، ورغم الضروف الأمنية الصعبة، وحسب منظمة أطباء بلا حدود، يكافح العاملون في المجال الصحي لإبقاء أبواب بعض المرافق مفتوحة، بالرغم من أن العنف المفرط وانعدام الأمن يزيدان الإحتياجات الصحية ويمنعان المرضى من الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجونها. واعتبرت المنظمة أن فرقها تستجيب لحوادث الإصابات الجماعية، والتي ما هي إلا دليل على وحشية النزاع والفشل التام من حماية المدنيين.
2-مستقبل التعليم في مهب الريح في ظل الصراع القائم
أن أكبر وأخطر التحديات التي يواجهها السودان هو ضرب االقطاع التعليمي الذي يطال مستقبل أجيال بأكمله. فالقطاع التعليمي شأنه شأن القطاعات الأخرى التي طالتها نيران الحرب العبثية بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023. حيث يعيش الطلاب معاناة النزوح والحرمان من الحق في التعليم بعد تعرض المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومراكز التعليم العالي والبحوث والدراسات والمكتبات للتدمير والنهب، حتى وزراة التعليم لم تسلم من نيران الصراع، حيث تعرّض العديد من أقسامها للحريق والنهب. والأنكى من ذلك هو إلغاء معظم امتحانات نهاية العام الجامعية وتحول الجامعات والمدارس إلى ملاجئ أو مراكز وثكنات عسكرية. أما في المناطق الآمنة نسبيا”، تحولت المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين حسب ما اوردته صحيفة الهدف.
وحسب تقرير مشترك لمنظمة اليونيسف ومنظمة إنقاذ الطفولة الصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2023 ، “أن هناك 19 مليون طفل خارج المدرسة”، والأرقام تتزايد مع مع استمرار المعارك. ومن بين هذه الأرقام، فقد حوالي 6.5 مليون طفل أمكانية الوصول إلى االمدرسة بسبب تزايد العنف وانعدام الأمن من مناطقهم، مع إغلاق 10,400 مدرسة على الأقل في المناطق المتضررة من النزاع. بينما ينتظر مليون طفل يقيمون في مناطق أقل تأثرا” في الحرب إذا كان من الممكن إعادة فتح المدارس.
يُذكر أنه حتى قبل اندلاع النزاع في أبريل/نيسان 2023، كان ما يقارب 7 ملايين طفل خارج المدارس في بلد يعاني من الفقر وعدم الاستقرار. ومع استمرار الحرب المدمرة، فلن يتمكن أي طفل في السودان من العودة إلى المدرسة، مما سيتركهم عرضة لمخاطر فورية وطويلة الأجل، بما في ذلك النزوح والاستغلال الجنسي والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة.
هذا ويعيش الكادر التعليمي من أساتذة وإداريين واساتذة جامعيين في 12 ولاية من أوضاع مزرية وفي غاية الصعوبة لعدم صرف رواتبهم المستحقة لشهور عديدة، عِدا عن مقتل 13 معلما” حسبما أفادت تقارير لجنة المعلمين، ناهيك عن اعتقال وتعذيب آخرين.
في الختام، وأمام هذا الواقع االكارثي الذي يعانيه السودان والشعب السوداني، حيث انعدمت كل مستويات الحياة ، مع أزمة إنسانية غير مسبوقة وعلى كل الصعد، وأمام هذه التحديات والمخاطر التي تتربص بمستقبل هذا البلد ووحدته، وعدم وجود مؤشرات لإيجاد حلول لإنهاء هذا الصراع الدامي، وعدم استجابة طرفي الصراع لوقف الحرب، وأمام عجز النظام العربي والدولي بإيجاد حل لهذه الأزمة، ستكون السودان أمام منعطف خطير، خاصة على الصعيد الإنساني، والخوف من تمدد الحرب إلى ولايات جديدة مع دخول أطراف وعناصر أخرى على هذا الصراع مما سيكون له تداعيات كارثية ليس السودان ككيان ودولة ومجتمع فحسب ، بل على الإقليم برمته.
يبقى هناك ربما بارقة أمل ولو ضيئلة في ملتقى القاهرة للخروج من حالة الإنقسام وانسداد الأفق السياسي. فهل سينتج عن المؤتمر الذي استضافته مصر حول السودان في 3/7/2024 مخرجات حلول (عربية) تصون وحدة السودان وتحمي مؤسساته وتنقذ الشعب السوداني من أشدّ كارثة انسانية ، أم سيبقى الحال -كالعادة – ضمن الإعراب عن القلق البالغ من تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية دون الوصول إلى صيغة حل تنقذ السودان من التفكك والإنحلال ؟
علّ أن يسجيب أطراف النزاع لهذه المساعي والمبادرات، لإن الوضع المروّع الذي يعيشه الشعب السوداني ليس قدرا” محتوما”خطّه أطراف متصارعة غير آبهة بمصلحة البلد ولا بأمن شعبه!
المصادر:
1.https://news.un.org/ar/story/2024/05/1131226
2..https://www.unicef.org/sudan/ar/الصحة