من يحمي ويُنقذ نساء وأطفال السودان من الإنتهاكات المروّعة؟ نعمت بيان- مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية وعضو الهيئة الإدارية في منظمة المغتربين العرب في السويد
من يحمي ويُنقذ نساء وأطفال
السودان من الإنتهاكات المروّعة؟
نعمت بيان- مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية
وعضو الهيئة الإدارية في منظمة المغتربين العرب في السويد
19/6/2024
حجبت أحداث فلسطين المُفجعة وتداعيات عملية “طوفان الأقصى” على ما عداها من أحداث في العديد من أقطار الوطن العربي التي هي حكما” لا تقل خطورة عما يحدث في فلسطين المحتلة وخاصة في قطاع غزّة بعد أحداث 7 اكتوبر. فالعديد من هذه الأقطار ترزح تحت ثقل الحروب والنزاعات نتيجة التدخلات الخارجية (إقيليمة ودولية)، التي عبثت بأمن واستقرار هذه الدول من خلال إشعالها نار النزاعات والصراعات والحروب بين أبناء البلد الواحد وتزكيتها بالدعم لأطراف النزاع.
السودان، هو إحدى هذه الأقطار الذي يعاني اليوم ويلات الحرب العبثية التي وقعت في نيسان/أبريل 2024 بين مكونين عسكريين هما، القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) والميليشيات المتحالفة معها، بعد انقلابهما على ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام عمر البشير عام 2018. هذا الصراع الدامي يدفع ثمنه المواطن السوداني من أمنه السياسي والاقتصادي والإجتماعي والغذائي والصحي والتعليمي….
لقد تسبَّب هذا النزاع في خسائر فادحة بين المدنيين جراء الهجمات المتعمَّدة والعشوائية، حيث ارتكبت جميع أطراف النزاع انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني حسب منظمة العفو الدولية. من جهتها، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا” في 23 شباط/فبراير 2024 يستعرض الإنتهاكات والتجاوزات المروّعة التي يرتكبها طرفي الصراع في ظل توسع القتال، التي أدّت إلى مقتل آلاف المدنيين وتشريد الملايين ونهب الممتلكات وتجنيد الأطفال . ويورد التقرير تفاصيل الهجمات العشوائية التي شنها كلا الطرفين على مناطق مكتظة بالسكان الذين يجهدون في البحث عن الغذاء والضروريات الأخرى.
النساء والفتيات النازحات تحت وطاة الإنتهاكات
النساء والفتيات السودانيات هنّ أولى ضحايا هذه الحرب العبثية ، حيث تمثل النساء والفتيات أكثر من نصف مجمل اللاجئين المسجلين من السودان، على الرغم من أن النسبة أعلى في بعض البلدان المضيفة. وعلاوة على المخاطر الكامنة التي يشكلها الصراع والنزوح، تعرضت النساء والفتيات، والعشرات منهن لا تزيد أعمارهم عن 12 عاما”، لمستويات مروّعة من الإنتهاكات الجنسية، سواء في المناطق المتضررة من النزاع داخل السودان، أو أثناء تنقلهن إلى مناطق أخرى، أو في بلدان اللجوء، وإن العديد من عمليات الاغتصاب ارتُكِبت في المنازل والشوارع من قبل أفراد ينتمون لقوات الدعم السريع.
وفي تقرير عن العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الأزمة، نُشر في نهاية عام 2023، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، أن النساء والفتيات داخل السودان يتحملن وطأة عواقب النزاع، بما في ذلك مستويات “مثيرة للقلق” من الإنتهاكات الجنسية بما في ذلك الإغتصاب على أيدي أفراد الأطراف المتنازعة، وبالأخص قوات الدعم السريع والميلشيات المتحالفة معها حسب ما أوردته التقارير الأممية ومنظمات حقوق الإنسان. ولم تكن لدى الكثير من الضحايا سُبل للحصول على ما يلزم من الرعاية الطبية والدعم النفسي والاجتماعي، بسبب القدر المحدود المتاح لهن من خدمات الحماية وإعادة التأهيل وسُبل كسب الرزق. فقد دُمرت ونُهبت الكثير من المنشآت الصحية أثناء النزاع، كما فرَّ العاملون في المجال الطبي. وكانت الرعاية اللازمة في أعقاب الاغتصاب، والتي ينبغي أن يُراعى فيها عامل الوقت، إما محدودة أو غير متوفرة، وكانت الضحايا إما غير قادرات على الإبلاغ عن الاعتداءات وطلب الرعاية الطبية، أو يشعرن بالخوف الشديد من ذلك. بالإضافة إلى ذلك، كانت شبكات الاتصالات ضعيفة أو مقطوعة كليًا في بعض المناطق، كما خضع التنقل لقيود شديدة بسبب النزاع.
الوضع ليس بأفضل بالنسبة للأطفال، الذين ليس فقط يتعرضون للإعتداءات الجنسية والتجنيد، أيضا” حرمانهم من فرص التعليم التي سيكون لها عواقب وخيمة في المستقبل، وبهذا الخصوص، أفادت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الطفل، إن 24 مليون طفل سوداني معرضون لخطر “كارثة عابر للأجيال”، وإن حقوقهم في الحياة والحماية والتعليم والصحة والتنمية، جميعها قد أُنتهكت بشكل خطير في الصراع الدائر. ناهيك عن اجتياح الجوع للسودان، حيث أن طفلا يموت كل ساعتين بسبب سوء التغذية في مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور. كما إن 24 مليون طفل تضرروا من الصراع، وإن 730 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. كما حرم الصراع أيضا أكثر من 19 مليون طفل من الانتظام في مدارسهم حسب منظمة اليونيسف.
وفي السياق، وعدا عن الإنتهاكات التي يندى لها الجبين التي يرتكبها طرفي الصراع، أفادت تقارير أممية بأن ما يقرب من 15 مليون نسمة، أي حوالي 31% من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وقيام مقاتلون من الأطراف المتنازعة في عمليات نهب واسعة النطاق للمنازل والمتاجر والمؤسسات العامة، بما في ذلك المستشفيات، ومستودعات المنظمات الإنسانية، والمصارف، في الخرطوم وفي منطقة دارفور
أما فيما يخص النزوح، فبحلول منتصف كانون الأول/ديسمبر، كان أكثر من 6.7 ملايين شخص قد نزحوا بسبب الصراع، سواء داخل السودان أو إلى البلدان المجاورة. وقد ارتفع العدد منذ ذلك الحين إلى أكثر 8 ملايين نازح يعيشون في ظروف مزرية.
من باب التذكير، أن السودان الذي كان يُلقب بـ “سلّة الغذاء العالمية”، يُصنف اليوم كواحد من أفقر بلدان العالم، والذي ضُم إلى البلدان الفقيرة المُثقلة بالديون. وشعبه يعيش تحت خط الفقر ويتضور جوعا” رغم امتلاك السودان لثروات غنية جدا.
هل من سبيل لوقف هذه المأساة الكارثية؟
إن طرفي النزاع لا يستجيبان لأي مطالبات أو مناشدات لوقف الحرب، فكل طرف يريد السيطرة ميدانيا على الوضع، وللأسف ،لا يلوح في الأفق أية بوادر حل لهذه الأزمة الكارثية، لا موقف ولا قرار عربي في هذا الخصوص، فالجامعة العربية المعنية بحل النزاعات والقضايا العربية الشائكة غائبة عن مسرح الأحداث، وحتى الإعتماد على الخارج لا يُعوّل عليه، إما لتورطه في تأجيج الصراع في السودان ، وإما له أولويات أخرى لأحداث تحصل في العديد من دول العالم، على صعيد المِثال لا الحصر، الحرب الروسية-الأوكرانية، والوضع المستجد على الساحة الفلسطينية الذي قلب كل الموازين وبات الحدث الأول في العالم لتداعياته الخطيرة، إقليميا” ودوليا”، في حين اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قرار” يقضي بإرسال بعثة دولية لتقصي الحقائق في السودان، وكُلِّفت هذه الآلية بالتحقيق وتحديد الحقائق والملابسات والأسباب الجذرية المتعلقة بجميع ما زُعم وقوعه من انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الانتهاكات التي ارتُكبت ضد اللاجئين، والجرائم المتصلة في سياق النزاع المسلح الجاري.
في المحصلة، إن الحرب الدائرة في السودان والتي دخلت عامها الثاني بين مكونين عسكريين، يحاول كل طرف أن يقضي على الآخر، لم تجلب إلا الدمار والقتل والفقر والمجاعة والبؤس، بينما يدفع المواطن السوداني الثمن باهظا، وتحديدا” النساء والأطفال دون أي مؤشر على وجود حل في الأفق يُنقذ السودان وشعبها