قيادات الأقطار

التعداد السكاني ضرورة ام خدعة! توظيف الخيال الديموغرافي في الإحصاء السياسي رجس فاجتنبوه! أ.د. عبدالسلام الطائي | أستاذ علم الاجتماع| ستوكهولم

التعداد السكاني ضرورة ام خدعة!
توظيف الخيال الديموغرافي في الإحصاء السياسي رجس فاجتنبوه!
أ.د. عبدالسلام الطائي
| أستاذ علم الاجتماع| ستوكهولم
مقدمة
كتنمويين اكاديميين وتربويين، تهمنا الأجيال القادمة لا الانتخابات القادمة، بات من الوجب علينا تصحيح مسار السلطة لا الاستحواذ عليها، نسعى الى إعادة ترسيم أداء السلطة لتقويم الخيال الديموغرافي المهيمن عليها، في الأقلية والأكثرية، المعشعش بالعقل السياسي. وانطلاقا مما سلف، وجب علينا استعادة توطين مفهوم المواطنة بالإنسان العراقي، لا السماح بأثارة الفتن من خلال زرع العرق والطائفة اثناء تدوينها في استبيان الحصر الشامل للإحصاء السكاني المرتقب. هذا ما نؤمن به على المستوى النظري المنطقي والاكاديمي.
اما على المستوى الاجرائي والعملياتي بهذا الصدد، فقد لمح العديد من الخبراء الى الابعاد السياسية والطائفية للإحصاء القادم. سيما بعد ان حددت وزارة التخطيط العراقية، نوفمبر/ المقبل 2024 موعدا لإجراء التعداد السكاني في العراق. تجدر الإشارة، بانه قد جرى تأجيل هذا التعداد ، لست مرات، لدواع أمنية وسياسية متنوعة، في مقدمتها سيطرة تنظيم “داعش”، فضلا عن، اعتراض قوى سياسية حول إدراج حقل الطائفة ضمن أسئلة استمارة الإحصاء السكاني، التي خلت منها جميع التعدادت السابقة، علاوة على تصنيف العراقيين إلى مكوّنات قومية ومذهبية، لان ذلك يعد ترسيخاً للطائفية، يتنافى مع احكام الدستور.
كما حذرت وزارة التخطيط العراقية من تأخير التعداد لأنه سيؤدي الى عرقلة وضع خطط استراتيجية شاملة بشان معالجة أزمات السكن، والتعليم، والصحة، والبطالة، والفقر بحلول 2030، مشيرة بان حجم سكان العراق سيصل الى 50 مليون نسمة. تجدر الإشارة بان “الجهاز المركزي للإحصاء ابدى التزامه بالقوانين والقواعد والتوصيات الدولية خلال اجراء التعداد بصورة حيادية ومهنية .
مما لا شك فيه، يصنف التعداد العام عالميا، بانه العملية الإحصائية الوحيدة التي تتم بطريقة الحصر او العد الشامل للمواطنين والمستوطنين. ولذلك يعد مرآة عاكسة ومتكاملة للمجتمع، خلال فترة معينة من الزمن، لما حصل فيها من متغيرات متعددة ومتعمدة . هذا وتشكل بيانات التعداد او الإحصاء قاعدة رئيسية لإحصاءات السكان والمساكن والمنشآت، علاوة على تنمية المجتمع والقوى العاملة والهجرة والتعليم والصحة والإسكان والخدمات الاجتماعية.
كما انه يعد ضرورة وليس ترفا، في مجالات التنمية الحضرية والتخطيط الاجتماعي والاقتصادي، من أجل تحقيق مستقبل افضل وحياة كريمة للمواطنين. ناهيكم عن في توفير المعلومات الكافية عن العمالة والعمالة الوافدة للبلاد ومعدل هجرة السكان الداخليين والخارجيين.اضافة الى تحديد مستوى البطالة وعدد المهاجرين. اخذين بعين الاعتبار، ان نتائج التعداد السكاني تعين المستثمرين الدوليين بشكل كبير في اتخاذ القرارات المتعلقة بمكان الاستثمار في الدولة. فاذا كانت النوايا من اجراء التعداد في العراق مطابقة ومتطابقة مع الاهداف والنوايا المارة الذكر من جهة، ومنسجمة مع قواعد صندوق الأمم المتحدة للسكان والمساكن والتعدادات السكانية، كسابقاتها اللواتي أجريت منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 حتى اخر إحصاء قبل الاحتلال لعام 1997- وان لم تشارك فيه محافظات إقليم كردستان- فهو والحالة هذه، إحصاء وطني لاريب فيه، وضرورة قصوى وليس ترفا ولا خدعة.
إشكاليات التعدد بعد نكبة العراق الكبرى 2003
لم يشهد العراق منذ تأسيس الدولة العراقية حتى 2003 ما شهده من ماسي وويلات خلال هذه الحقبة المظلمة من تاريخ العراق، جراء تكالب المعضلات والكوارث والازمات الداخلية والإقليمية والدولية..الخ. كان من حصيلة هذه المعضلات المركبة التي ترشحت عن الاحتلال، ان حولت العراق من بلد الحضارات الى دولة للخرافات. بلا ريب، ستشكل هذه المعضلات حجر عثرة خلال اجراء التعداد السكاني. ولعل ذلك يدعونا للبحث في تفاصيل قواعد التعداد الواردة في القوانيين الدولية الخاصة بالأحصاء السكاني بما فيها، توصيف صندوق الأمم المتحدة للسكان والمساكن، والذي يشير، بان إجراء أي إحصاءٍ سكاني وإسكاني يعتبر “من بين أكثر المهام تعقيداً واتساعاً لما تقوم به دولةٌ ما في أوقات السلم” فكيف سيكون الحال يا ترى اذا اجري خلال فقدان السلم الأهلي وانتشار الجماعات المسلحة غير المنضبطة، وعدم اقتدار سيطرة الدولة عليها، والعراق نموذجا! . ونتيجة لذلك، بات لزاما علينا ان نشخص ونصنف تلكم الإشكاليات لمعالجتها او الحد منها، والتي هي كما يلي:

الفوضى الأمنية
وهنا تجدر الإشارة، الى ما جاء في دليل إدارة تعدادات السكان والمساكن للأمـم المتحـدة في نيويورك، لعام 2000 ، والذي أشار الى علاقة ظاهرة عدم الاستقرار الأمني والتمايز المذهبي والديني والقومي بفشل ونجاح التعداد. نظرا لكون التعداد مرتبط بمكان العد (بحكم الواقع) وبسبب مكان الإقامة المعتاد (بحكم القانون) للفئات السابقة، سواء شمل من هم داخل وخارج العراق. وبموجب ذلك لا يجوز اجراء التعداد في ظل الفوضى الامنية . والا سيعد مخالفا للضوابط الدولية.
الهجرة القسرية للمحافظات المنكوبة؟
الإشكالية الثانية للإحصاء، تتمثل بأولئك الذين هاجروا من العراق منذ عام 2003 وهم بالملايين، هربوا بعد 2003 من البطش الطائفي على الهوية، من قبل الميليشيات والأحزاب الإيرانية . والذين يقدر عددهم 7-8مليون مواطن ..فكيف سيتم احصائهم ؟ ناهيكم عن محاولات الحشد الشعبي المتواصلة بطرد البدو من بادية السماوة حاليا، علاوة على تهجير الحضر من البصرة والموصل والطارمية والمشاهدة وسامراء وغيرها من مدن العراق السنية والشيعية والمسيحية.
المناطق المتنازع عليها!
وحري بنا التطرق هنا، إلى المادة 140 من الدستور، والتي ستشكل معيار نجاح او فشل الإحصاء السكاني، سيما ما يخص الجوانب الإجرائية والامنية للدخول الى بعض المحافظات التي تقع ضمن هذه المادة الدستورية لأجراء التعداد فيها ؟والتي حالها لن يختلف عن حال، جرف الصخر وغيرها!
عدم منح أطفال العراق اوراق ثبوتية !
وهنا اشير الى التقرير الذي نشرته صحيفة “ذي تلغراف” البريطانيّة، ، التي إشارة، بإنّ هناك ما يقارب الـ45 ألف طفل في العراق ليس لديهم أيّ أوراق ثبوتيّة حتّى الآن لأنّهم ولدوا أثناء سيطرة تنظيم “داعش”. مقابل ذلك هناك مئات الألوف الان من الولادات غير الشرعية ارتكبت من قبل متسللين دخلوا عبر المنافذ الإيرانية ، تمنحهم الحكومة أوراق ثبوتية، عدا منح ملايين الإيرانيين والافغان الهزارة الجنسية العراقية لقلب الهرم السكاني العراقي الى فارسي اعجمي! فكيف سيتم احصائهم يا ترى؟

نوايا واهداف الخيال الديموغرافي في التعداد
استنادا إلى ما سبق، فقد كان من نوايا تأجيل التعداد السكاني خلال العقدين الماضيين، الغرض منه تثبيت التغيير الديمغرافي في المدن العراقية، سيما بعد ان تم أخلاء بعض المحافظات من سكانها الأصليين، لجعلها مناطق خالية من السكان السنة والمسيح والازيدية والتركمان وغيرهم، لغرض ملئ الفراغ الديموغرافي بالدخلاء لتغيير الغلاف السكاني لها ، من اجل ان تصبح الأمور جاهزة. ناهيكم عن الأهداف الاتية:
معرفة مخرجات الاجتثاث السكاني لملئ الفراغ الديموغرافي بالعناصر والمكونات المجنسة الدساسة
تثبيت وضع شاذ وواقع ملفق في المدن العراقية
شرعنت وتقنين الاجتثاث السكاني الطائفي والقومي والديني الذي حصل في المدن العراقية
ونظرا لما للتعداد السكاني من علاقة بتوزيع المقاعد البرلمانية وتحديد نسبة كل محافظة ، عليه فان عملية تشكيل مجالس المحافظات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمزيج الديموغرافي.
تفكيك الهوية الوطنية الشاملة والموحدة الى ولاءات وثقافات وطقوس فرعية متفرقة ومفرقة للمجتمع والدين، لتحويل العراق، بلد الحضارات الى بلد الخرافات، والعراق الى “عراقات” متناحرة، ، وفقا لسياسة الأغلبية والأقلية لنظام المحاصصة المقنن بالدستور!
ولعل الانكى من تلك الأهداف في ” اجراء تعداد عام 2024 ، الغرض منه تكذيب التعدادات السابقة التي أجريت خلال سنوات 1947 و1957 و1965 و1977 و1987 ، بشان وحدة الهوية الوطنية الجامعة لدولة المواطنة، لاستبدالها بالهوية الطائفية والعرقية المفرقة من قبل دولة الطائفة، بعد تغير الغلاف السكاني وفقا للخيال السياسي الطائفي بالإحصاء القادم والصادم !
خاتمة
واستخلاصا لما سلف، فان هنالك محاولات قصدية لتثبيت وضع شاذ وواقع ملفق في المدن العراقية من خلال الإحصاء القادم. ناهيكم عن محاولة شرعنت وتقنين الاجتثاث السكاني الطائفي والقومي والديني في بعض مدن العراق، من اجل خلق مجتمع انتخابي قرقوزي لايصالهم الى قبة البرلمان. وان ذلك بلا شك، سيؤدي الى تفكيك الهوية الوطنية الشاملة والموحدة.
ولعل من المسلمات البديهية، بان النظام السياسي مرهون بالمزيج الديموغرافي، هذا أولا، وتاليا فان السيطرة الديموغرافية على الاراض تعد من عناصر القوة السياسية والعسكرية للنظام السياسي، وما له من تداعيات على تغير موازين القوى الجيوسياسية لتغير خارطة الأرض والسكان. فالإحصاء المرتقب سيحدد حجم الدولة ووحدتها الجغرافية. ونظرا لارتباط النظام السياسي في العراق بالنظام الإيراني فهو معني بنوايا وإستراتيجيات خطط النظام الفارسي جيوسياسيا. وفي هذا الاطار حري بنا التطرق لنوايا المشروع الفارسي الساعي الى تشكيل ممر شيعي عبر البحرين الأبيض والاحمر ، لذا فهو بحاجة إلى المزيد من الجماعات البشرية الطائفية الموالية ليكونوا جسرا ووقودا لمشروعها.
لذلك تحتاج إيران إلى قوة بشرية موالية لها كي تتولى امن الطرق والمواصلات البرية والبحرية للتجارة النفطية والهيمنة العسكرية ، لذلك تم تجنيس ملايين الإيرانيين وغيرهم. وفي واقع الامر، تعتبر إيران توطين المجنسين والولائيين بمثابة ساتر امني وعسكري وعمالة خدمية وأمنية لها. وهؤلاء سيتولون مهمة مسك الأرض برا عبر حديثة القائم وكركوك والموصل باتجاه سوريا وتركيا، و عبر ديالى والبصرة باتجاه ايران ، وعبر كربلاء باتجاه نفط الدمام بالمنطقة الشرقية للسعودية ، لذلك تم نقل الملف الأمني والعسكري لمنطقة النخيب المجاورة للسعودية، من محافظة الانبار إلى كربلاء والى “قيادة عمليات منطقة الفرات الأوسط.
فالتعداد سيتولى عملية تقنين وإعادة ترسيم انتشار الديموغرافية الملفقة على تلك السواتر، ليصبحوا حرس حدود وخفر سواحل. وسيكون للشيعة الفرس – التبعيات- حظوة وصفوة وغلبة في نتائج هذا الإحصاء، تفوق الشيعة العرب، لكونها تأتمر بأوامر ولائية إيرانية لا بأوامر رئاسية عراقية. كل ذلك سيحصل ، كما نتوقع، من اجل استحداث توازن ديموغرافي يتواؤم مع هيكل الحوزة الشيعي الفارسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى