دراسات وأبحاثقيادات الأقطار

التداعيات الإقتصادية والإجتماعية للحرب ومعالجتها الجزء الثاني – قيادة قطر السودان – اللجنة الإقتصادية

التداعيات الإقتصادية والإجتماعية للحرب ومعالجتها
الجزء الثاني –
قيادة قطر السودان – اللجنة الإقتصادية

مقدمة:
بمرور عام على حرب التدمير العبثية التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان من العام الماضي، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تتناول مساهمة اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بالرصد والبيانات والمعلومات، ما أمكن، والتحليل وبمنظور اقتصادي اجتماعي والتركيز عليه، تداعيات الحرب وآثارها البنيوية على مجمل الأوضاع في البلاد ومعالجتها، وسوف يتم تناول محورين فيما يلي هما :
1- الجذور والأبعاد التاريخية الكامنة للحرب
2- التأثير والأدوار الإقليمية والدولية في مجرياتها والمعالجة.

الجذور والأسباب التاريخية الكامنة للحرب
تم في الجزء الاول استعراض جانب من الجذور التاريخية للحرب القائمة في السودان ، ونواصل في هذا الجزء استكمال تلك الخلفية التاريخية.

تمسك الشعب بالديمقراطية لم يتزحزح وعراقة تقاليد نضاله السلمي الديمقراطي تترسخ

رغم القمع والبطش استطاع الشعب السوداني، وللمرة الثالثة، أن يُسْقط النظام الدكتاتوري عبر الانتفاضة الشعبية السلمية التي فاقت سابقاتها في أكتوبر” 1964م” وأبريل” 1985م”، بأنها كانت الأوسع انتشارًا في

جغرافية السودان، والأكثف مشاركة من كافة شرائح المجتمع السوداني، والأطول نَفَساً إذ امتدت من ديسمبر “2018م” إلى “11” أبريل “2019م” حين سقط سياسياَ البشير ونظامه، وبهذا يؤكد الشعب السوداني على تمسكه بخيار الديمقراطية والتعددية والحكم المدني وفق إرادته الحرة عبر تقاليد نضاله السلمي الديمقراطي.

وبعد مماحكات من عدة أطراف – وظَّفت ما سبق الإشارة إليه سالفاً – تم التوافق على ما تعارف عليه بالشراكة بين المكون العسكري والمكون المدني بموجب الوثيقة الدستورية أغسطس “2019م”، والوصول لصيغة سياسية كانت تهدف للوصول بالعملية السياسية الانتقالية إلى التحول الديمقراطي وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات العامة بعد “39” شهرا، إلا أن المهمة لم تنجح لظروف موضوعية أبرزها “العراقيل التي وضعتها قوى الردة والفلول المرتبطة – بحكم المصالح والاستعداد – بصورة مباشرة بالقوى الاستعمارية الحديثة وبالنظام الإمبريالي العالمي وبمؤسسات الصهيونية العالمية” و”بالمخاوف والهواجس عند أنظمة الجوار القلقة من تمادي زخم الانتفاضة الثورية واستدامة الديمقراطية المرتبطة بالإنجاز في السودان ليصل إليهم، وظروف ذاتية مرتبطة “بالشراكة كمؤسسة” و”بتركيبة المكون المدني” بعد الانتقال من المعارضة إلى الشراكة في السلطة و”بظروف القوى السياسية والحركة الجماهيرية المنهكة بطول أمد الديكتاتوريات”.

واجهت الفترة الانتقالية الكثير من التحديات أهمها إصلاح مؤسسات الدولة كضرورة لتحقيق متطلبات الانتقال الديمقراطي وكيفية إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية وإخضاعها لسيطرة الحكم المدني، وآليات ووسائل إزالة تمكين نظام الإنقاذ، وفك العزلة الدولية عن السودان، وغيرها من التحديات. ولكن تآمر قوى الردة داخلياً وخارجياً كما أسلفنا، بالإضافة لتحدي التركيبة البنيوية غير المتجانسة للشراكة مع المكون العسكري وللقوى السياسية المشكلة للفترة الانتقالية، كل ذلك -وغيره- أقعد بالفترة الانتقالية عن

الوصول لمبتغاها، فأقدمت قوى الردة على تنفيذ انقلاب البرهان/ حميدتي في “25” أكتوبر”2021م” المسنود بأنصار النظام البائد ومجموعات اعتصام الموز، وبدعم وإسناد من الكيان الصهيوني الذي لم يتوانى عن إعلان الاعتراف به. هذا الانقلاب القائم على جمع المتناقضات بداخله – وصلت التناقضات فيه جراء التكالب على السلطة والنزوع للتفرد بها وسط مكوناته – حدًا أوصل البلاد لحالة الانفجار العسكري، لتندلع حرب الخامس عشر من أبريل.

خلل بنيوي وانتقال من العجز والفشل إلى تحالف الطفيلية والعسكرتاريا

خلاصة ما تقدم من هذه الفذلكة التاريخية المطولة أن هناك خلل بنيوي في تركيبة الدولة السودانية منذ نشأتها الأولى في عهدي الحكم الاستعماري، التركي والإنجليزي، كما أشار لذلك حزب البعث في وثيقته التاريخية الموسومة (البعث وقضايا النضال الوطني في السودان “1973م”) حول التناقضات الطبقية العميقة التي أورثها الاحتلال التركي والإنجليزي، للحكم الوطني، وكيف عجزت الطبقة البرجوازية التقليدية – وبحكم تركيبتها – عجزت عن السير في طريق استكمال الاستقلال السياسي وتدعيمه بالتنمية والسلام والاستقلال الاقتصادي عن السوق الرأسمالية العالمية وتعزيز التدامج الوطني والوحدة والتعايش السلمي، مما فتح الباب واسعا أمام عدم الاستقرار السياسي والذي تعد ظاهرة الانقلابات العسكرية أبرز تجلي له، إذ استحوذت الدكتاتوريات العسكرية (عبود، نميري، البشير، البرهان – حميدتي) على نحو “55” عاما منذ ان نالت البلاد استقلالها قبل “68” عاما أي “13” تعددية متقطعة ، والتي أكدت تجارب دكتاتورية حكمها أنها (صنو الخراب الاقتصادي والاجتماعي والفساد والاستبداد) كما قال الراحل الأستاذ بدر الدين مدثر (أمين سر القطر السابق) عليه الرحمة.

الحرب: ثمن غياب التنمية المتوازنة وتحالف الطفيلية مع الجيوش والمليشيا

إنّ نهج التطور الرأسمالي الذي انتهجته الحكومات الوطنية المتعاقبة منذ الاستقلال- وهو نهج موروث من الاستعمار البريطاني- كانت أبرز تجلياته غياب التنمية المتوازنة بحشد الموارد والعدالة الاجتماعية. غياب هذين العاملين وازدياد الفوارق الطبقية، يعد من أهم العوامل التي تؤدي إلى عدم الاستقرار والاضطرابات، ممّا يُمهّد الطريق للحروب.

أدت الفوارق الكبيرة على مستوى الخدمات الأساسية- دعك من التنمية بمفهومها الشامل- بين الريف والمدينة في البلاد، أدت إلى حدثين أساسيين شكلا مع أحداث أخرى أرضيات أججت حرب الخامس عشر من أبريل، الحدث الأول هو حالة النزوح الكبيرة من الأرياف إلى أطراف المدن، بسبب عوامل ذاتية وموضوعية، أبرزها غياب التنمية المتوازنة وتردي الخدمات الأساسية المذكور آنفاً، والجفاف والتصحر، وتبني العنف سواء من السلطة أو المعارضة المسلحة، وتطاول ٱجال الدكتاتوريات العسكرية، مما خلق حزام واسع من الفقر المحيط بالمدينة، هذا الفقر المرتبط بالإحساس بالظلم وباليأس والإحباط يدفع بالعديد ممن يكتوون بنيرانه للإنزلاق نحو التطرف وجماعات الجريمة المنظمة. والحدث الثاني هو استغلال السلطة وأجهزتها الأمنية من جانب وقوى التخلف والتفتيت- على حد سواء- لهذه الفوارق في تسويق خطاب “المظلومية” السياسية والاجتماعية كشعار في الاستقطاب والتعبئة لتبرير العنف كوسيلة للتغيير أو إجهاضه.

استغل هذا الخطاب مؤخراً في التحضير والتعبئة للحرب والاستقطاب لإدامتها وتوسيع نطاقها، وظهرت آثار الاستجابة له سواءً في التجييش لأي من طرفي الحرب أو في عمليات السرقة والنهب والإتلاف التي تعرضت لها الممتلكات العامة والخاصة والتي ظهرت كشامة في ظهر طرفي الحرب.

يُتبَع لطفاً..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى