دراسات وأبحاث

المقاومة الوطنية العراقية استراتيجية البعث في تحرير العراق في 09/ 04/ 2024 حسن خليل غريب

المقاومة الوطنية العراقية استراتيجية البعث في تحرير العراق

في 09/ 04/ 2024 حسن خليل غريب

منذ احتلال العراق حاول الكثيرون ممن أعلنوا العداء للنظام الوطني في العراق، بدوافع ثأرية وبدعم من الإعلام الغربي، أن يجهِّلوا أو أن يتجاهلوا هوية المقاومة الوطنية العراقية من جهة، أو أن ينسبوها لأنفسهم لأهداف وصولية وانتهازية من جهة أخرى. وكان التجاهل أو التجهيل بهويتها ودوافعها واستراتيجيتها معدَّاً منذ أن أخذت ثورة 17-30 تموز 1968، تشكل خطراً على مصالح الرأسمالية الغربية من جهة، وتشكل داعماً قومياً رئيسياً للقضية الفلسطينية من جهة أخرى.

إن التجاهل والتجهيل والتشويه شكَّلت حافزاً لنا لنشر كتاب بعد أربعة أشهر من انطلاقتها تحت عنوان (المقاومة الوطنية العراقية: معركة الحسم ضد الأمركة: صدرت طبعته الأولى عن دار العلا في بيروت، وبعد أقل من شهر صدرت طبعته الثانية عن دار الطليعة في بيروت، تاريخ تشرين الأول 2003)، استندنا فيه إلى الكثير من الوثائق الميدانية التي حصلنا عليها والتي تلقي الضوء واضحاً على هوية المقاومة، ووسائلها العسكرية وأهدافها السياسية الاستراتيجية.

ولهذا كله، سنقوم بصياغة مقال موجز مستندين إلى الكثير من الوثائق التي نشرناها كملاحق للكتاب المذكور، للرد على البعض من الانتهازيين، خاصة من التنظيمات أو الأفراد الخاضعين لهيمنة أيديولوجيا ولاية الفقيه في إيران، الذين مارسوا الكذب جهاراً نهاراً ونسبوا تلك المقاومة لأنفسهم بعد مرور التحالف بين النظام الإيراني والإدارة الأميركية لخلافاتهم على تقسيم حصص الغنائم من ثروات العراق.

هوية المقاومة وطنية وقومية هدفها التحرير الكامل والشامل للعراق:

في العشرين من آذار من العام 2003، وبعد تهديد أميركي بإعادة العراق إلى العصر ما قبل الصناعي، بدأت الولايات المتحدة الأميركية -متحالفة مع عشرات الأنظمة الرسمية الغربية والعربية- عدوانها العسكري على العراق. وكان السبب رفض النظام الوطني العراقي تحييد نفسه عن الصراع الفلسطيني – الصهيوني. ولما قوبلت دعواته بالرفض الحاسم نفَّذت أميركا وعيدها، مستخدمة إمكانيات ما يزيد عن ثلاثين دولة من الدول الغربية، ومئات الآلاف من الجنود، وآلاف من الطائرات والمركبات العسكرية، وقد اتَّخذت من الأراضي الكويتية نقطة البدء في العدوان.

علماً أن موازين القوى العسكرية النظامية ليست متكافئة بين الطرفين، فقد كانت أم قصر -مدينة في جنوب العراق وبوابته من ناحية الكويت- أول عائق عسكري حال دون انسياب القوات الأميركية المعتدية بسهولة، ودامت المعركة عدة أيام ولكنها لم تنجح في اختراق الدفاعات العراقية. ولهذا السبب طلبت قيادة القوات المعتدية بالالتفاف عليها بالدخول عبر الأراضي الإيرانية بعد الحصول على إذن من قبل نظام الآيات في إيران.

كان الهدف وصول القوات إلى بغداد، التي تشكل عاصمة العراق ومقر قياداتها السياسية والعسكرية. وفي طريقها إلى العاصمة كانت القوات العسكرية العراقية النظامية دور كبير في إعاقة خطط التقدم للقوات المعادية، بحيث كانت قطعات الجيش العراقي في شتى المدن والقرى التي على قوات العدوان أن تجتازها، تواجه قوات الغزو الأطلسي ببسالة واقتدار، وتوقع بها الخسائر الفادحة. وكانت صرخة طوني بلير -رئيس الوزراء البريطاني آنذاك- أكثر من عبَّر عن تلك البسالة قائلاً: (لقد فُتحت علينا أبواب جهنم). ولكن انكشاف الغطاء الجوي عن القوات العراقية النظامية -بفعل التشويش الألكتروني- شكَّل نقطة الضعف الأساسية لتلك القوات.

أثناء تقدمها، خاضت قطعات الجيش العراقي العديد من المعارك ضد القوات الأميركية وأوقعت بين صفوفها الآلاف من القتلى، وتدمير الآلاف من الآليات. ويمكن للقارئ أن يعود إلى تفاصيلها في المواقع الألكترونية، ومئات  التقارير، وعشرات الكتب.

عندما وصلت قوات العدوان إلى مشارف مطار بغداد، وقعت بكارثة كبيرة من حيث الخسائر البشرية، جراء ما كانت تُعدُّه لها قيادة الجيش العراقي من خطط وضعتها في مآزق عسكرية كانت عاجزة عن حلِّها لأن دور الحماية الجوية، وقوات المدفعية والصاروخية، للقوات الغازية فقدت تأثيرها في معارك الالتحام العسكري المباشر بين القوات. وكانت معركة المطار مصيدة لحصد آلاف أخرى من حياة جنود القوات الأميركية.

القنبلة النيوترونية كانت منقذاً للجنود الأميركيين من معارك المطار:

عن معركة المطار، يقول صدام حسين في رسالته الثانية الموجهة للشعب العراقي، بتاريخ 07/ 05/ 2003: (في معركة المطار شهد المتطوعون العرب نزالاً عنيداً جباراً مع اخوتهم أبناء العراق في الجيش والشعب حتى بلغت خسائر المجرمين الأمريكان أكثر من ألفي قتيل وأعداداً أكثر من الجرحى، ومعدات لو سمحوا للمصورين أن يلتقطوا فيها الصور لكانت صور محرقة قد تمت لهم، في هذه المنازلة).

ولما عجز الجيش الأميركي عن دخول المطار، استخدموا قنبلة النيوترون ضد الجيش العراقي، الأمر الذي استطاع فيه أن يقتل آلاف الجنود العراقيين. وعن تقرير منسوب إلى مصادر روسية حول استخدام الجيش الأميركي سلاحاً محرماً دولياً ضد القوات العراقية، جاء فيه عن تلك القنبلة: (قنبلة النيترون هذه هي قنبلة نووية قذرة قاتلة لكل ما هو حي و لكنهم يعتبرونها نظيفة للمنشآت و للبيئة. وكان الخوف الحقيقي هو اعتزام المجرمين الأمريكان والإسرائيليين في تكرار استخدام هذا السلاح كلما لزم الأمر).

وأنذر الجيش الأميركي الدولة العراقية، يقال بوساطة روسية، أنه ما لم يتوقف الجيش العراقي عن المقاومة، سوف يتم تقسيم بغداد إلى مربعات يتم تدميرها مربعاً بعد آخر، كما تم تدمير مطار بغداد. ولهذا السبب صدرت الأوامر، في التاسع من نيسان 2003، بتحويل قطعات الجيش العراقي إلى مجموعات تواجه العدوان على طريقة الكفاح الشعبي المسلح. وكانت معركة الأعظمية أولى المعارك على تلك القاعدة.

ومعركة الاعظمية 2003 وهي معركة جرت -بعد أقل من يوم من سقوط  بغداد- بين قوات الغزو الأمريكي والمقاومة والقوات العراقية بقيادة صدام حسين الذي ظهر قبل حدوثها بقليل وهو يحيي أنصاره. وشوهد بعدها وهو يحمل آر بي جي، وكانت الطلقة الأولى هو الذي وجَّهها ضد القوات الغازية.

ومنذ تلك اللحظة، أخذ يوجه رسائله المكتوبة. فدعا الشعب العراقي، في رسالته الأولى بتاريخ 28/ 04/ 2003م، قائلاً: (إنتفضوا ضد المحتل، … وليس هناك أولويات غير طرد المحتل الكافر المجرم القاتل الجبان، الذي لم تمتد يد أي شريف لمصافحته، بل يد الخونة والعملاء).

الفصائل المشاركة في المقاومة الوطنية العراقية:

أعلن صدام حسين في أحد رسائله، ما يلي: (يخوض أبناء الشعب من رجال الجيش والحرس الجمهوري وكتائب الفاروق ومجموعة التحرير وأعضاء حزب البعث ومجاميع الحسين قتالاً حقيقياً هي معركة في سفر المنازلة الكبرى لطرد القوات الغازية من العراق).

ولكننا، منذ 23/ 04/ 2003، وحتى 02/ 10/ 2003، استطعنا في كتابنا المذكور أن نرصد حوالي ستة تيارات شاركت في المقاومة، توزعت انتماءاتها بين ناصرية وقومية وشيوعية من غير الشيوعيين الذين شاركوا بغزو العراق… ولكن لم نجد من بينها من له علاقة بتيارات الإسلام السياسي.

كان أكثر مما يثير الضحك والسخرية، ما تردد، وما يتردد، خاصة في السنوات الأخيرة، بأن إيران قادت المقاومة ضد الاحتلال الأميركي. ولكن من خلال مناقشتنا لتلك المزاعم المزيفة، وجدنا أن الاستغلال الإيراني لعقول جماهير شعبية عربية قد انتشر وصدقت المزاعم الإيرانية، أو مزاعم عملائها المنتشرين في بغداد ولبنان وصنعاء، وتناسوا تصريحات أكثر من مسؤول إيراني التي أعلنت بصراحة: (لولا طهران لما دخلت أميركا إلى بغداد وكابول)، وهذا ما يُكذِّب تلك المزاعم. ورداً عليهم نحن نقول: (لولا أميركا لما استطاعت إيران أن تدخل بغداد، ومن بعدها العواصم العربية الأخرى). كما أنه في رسالته الخطية الثالثة 9 أيار 2003م، نبَّه صدام حسين إلى أن: (من احتضنتهم إيران دخلوا بحماية القوات الأمريكية والبريطانية).

وأما عن تيارات الإسلام السياسي الأخرى، فقد نشرت جريدة الكفاح العربي: بيروت: العدد 3575، تاريخ 8/ 9/ 2003م، ما يلي: (إن الشيخ عبد السلام الكبيسي، وهو من كبار مسؤولي هيئة العلماء المسلمين في العراق، وهو على الرغم من أنه يعارض الغزو، يدعو إلى »المقاومة السلمية« للأهداف الاقتصادية والثقافية للاحتلال).

الاستراتيجية السياسية شكَّلت الوجه المتمم للمقاومة الوطنية العراقية المسلحة:

كانت استراتيجية الكفاح الشعبي المسلح مبنية على أفق سياسي واضح، ببداياتها ومآلاتها البعيدة المدى. وقد عبَّر الحزب عنها بأكثر من وسيلة وسائل الإعلام. وصدرت عبر أكثر من مصدر، منها الرسائل المكتوبة أو الصوتية التي صدرت على صدام حسين. ومنها بيانات للقيادة القومية، أو البيانات التي صدرت عن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي. وسوف نوجز ما جاء فيها من مواقف سياسية استراتيجية. (ولمن يريد الحصول على تفصيلاتها يمكنه العودة إلىها في كتابنا المذكور).

1-وجَّه صدام حسين تسع رسائل إلى الشعب العراقي. كان تاريخ الأولى (28/ 04/ 2003)، وتاريخ الرسالة التاسعة والأخيرة (17/ 09/ 2003). وجاء فيها ما يلي:

-حثَّ فيها كلها الشعب العراقي بكل شرائحه الاجتماعية والدينية والسياسية، على مقاومة الاحتلال. واعتبر فيها أن مقاومة الاحتلال لها الأولوية المطلقة، وبعد أن بشَّرهم بأنه (قد بدأ جهاد إخوانكم ليلحقوا كل يوم خسائر متلاحقة بالعدو المجرم الأمريكي والبريطاني)، قال: إن (الخطيئة تبدأ عندما تكون هناك أولويات غير المحتل وطرده).

-على الرغم من كل الأذى الذي لحق بالعراق منهم، دعا العراقيين إلى أنهم إذا رأوا (العدو يريد النيل من سورية أو الأردن أو السعودية أو إيران، فساعدوا في مقاومته، فهم ورغم الأنظمة إخوتكم في الدين أو العروبة. وساعدوا الكويت وبقية دول الخليج العربي ومصر والأردن وتركيا ليتخلصوا من العدو الأمريكي). ولكنه أردف داعياً الشعب العربي قائلاً: (أنت مطالب أخي العربي مثقفاً كنت أو أديباً أو صحافياً أو مصوراً أو رساماً بفضح المحتل الجبان وجرائمه. ولا تسمحوا لمن يؤيد المحتل أو يبرره ان يكون بينكم).

2-المنهاج السياسي والاستراتيجي للمقاومة  في 9/ 9/ 2003م

بمراجعة للوثائق المنشورة -في كتابنا أعلاه- بيانات القيادة القطرية في العراق، وبيان القيادة القومية، والمنهاج السياسي والاستراتيجي للمقاومة، والتي صدرت بعد التاسع من نيسان في العام 2003، حدَّدت استراتيجية المقاومة العراقية، على المديين المرحلي والاستراتيجي، نوجزها بما يلي:

حدد هذا المنهاج هدف المقاومة العراقية المسلحة، المتمثل في طرد الاحتلال وتحرير العراق والحفاظ عليه موحداً.. وأكد أن المقاومة العراقية كحركة تحرر وطنية تؤمن باستمرارية المقاومة وشرعيتها، وبشرعية وواجب التعامل القتالي  مع المتعاملين والعملاء، وبتعميم المقاومة المسلحة على ارض العراق كلها وبفعل ومشاركة العراقيين كلهم، وبالعمل على تحقيق تشكيل جيش تحرير العراق، وبواجب وحق الجماهير العربية في الانخراط بالمقاومة العراقية المسلحة.

وفصَّل ما تؤمن به من تلك الأهداف، كالتالي:

1-استمرارية المقاومة طالما كان هناك احتلال.

2-شرعية المقاومة في العمل العسكري وغيره وبالتعرض القتالي على قوات الاحتلال.

3-شرعية وواجب التعامل القتالي أيضاً مع المتعاملين والعملاء.

4-تأزيم الإقليم ومنع تحقيق مصالح الدول المجاورة(تركيا وإيران) على حساب العراق ووحدته الوطنية، وتعظيم تكلفة مساندتهم للعدوان وتعاملهم مع إفرازاته الداخلية.

5-منع وعرقلة جهد الاحتلال من الاستغلال، لثروات ومرافق وممتلكات العراق.

6-تعميم المقاومة المسلحة على أرض العراق كلها وبفعل ومشاركة العراقيين كلهم.

7-العمل على تحقيق تشكيل جيش تحرير العراق كتطوير في عمل المقاومة لتحرير العراق.

8-انعدام احتمالات الدعم من قبل الأنظمة العربية كلها.

9-واجب وحق الجماهير العربية في الانخراط بالمقاومة العراقية المسلحة.

وأخيراً،

قد يتساءل البعض: ماذا حققت المقاومة الوطنية العراقية؟

لم تحقق المقاومة هدفها في تحرير العراق حتى الآن، ولكنها تركت ندوباً استراتيجية في جسم الاحتلال، وفي المشروع  الأميركي الفوقي الاستراتيجي. تلك الندوب التي أدَّت في أوقات لاحقة إلى فشل استكمال مشروعه الخبيث الذي أعلنه، والمعروف بـ(نحو قرن أميركي). والذي اعتبر أن احتلال العراق يشكل بوابته الرئيسية. وظهر هذا واضحاً من خلال ما يلي:

أ-بعد انسحاب كل الدول الأجنبية التي شاركت الاحتلال، هرباً مما أعلنه طوني بلير في حينه (لقد فُتحت علينا أبواب جهنم)، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية انسحابها (هزيمتها) في أواخر العام 2011. وكانت الإدارة الأميركية تضمر بعد انسحابها على استكمال مشروعها، بوسائل غير عسكرية، كما كان بول وولفويتز قد صرَّح سابقاً بالقول: (بعد إسقاط العراق عسكرياً، يمكن إسقاط الدائرة المحيطة بالعراق بوسائل أخرى). وهذا ما سوف نتكلم عنه لاحقاً في هذا المقال.

بـ-من بعد انسحابها/ الهزيمة، شعرت أميركا لاحقاً بثقل أخطائها التي تمثَّلت باعترافها بكذب ما سوَّقته من أسباب لاحتلال العراق. وقامت لجنة تحقيق بريطانية بمحاكمة طوني بلير المعروفة بـ(لجنة تشيلكوت)، والتي نُشرت نتائجها في العام 2014، وجاء فيها إدانة واضحة للعدوان على العراق، لأنه حصل بصفته (عملية متسرعة لم تفسح المجال للآليات الدبلوماسية، وذكر أنها بنيت على معلومات مغلوطة، وأنها شكلت تجاوزاً لبنودعمل الأمم المتحدة).

جـ-أعطت المقاومة فرصة لبعض الأنظمة العربية، والدولية، لالتقاط أنفاسها من الشعور بخطورة مشروع (نحو قرن أميركي)، خاصة أنها أحبطت جولة كولن باول -وزير خارجية جورج بوش الإبن- التي بدأها في دمشق، أول أيار من العام 2003، والذي وصل إليها وعاد منها بسرعة، ومنتشياً رداً على سؤاله عن نتائج زيارته، قال: (لقد أبلغناهم، وهم يعرفون ماذا عليهم أن يفعلوا). ولكنه لم ينتظر من دمشق رداً بعد أن أخذت المقاومة الوطنية العراقية تنتشر كالنار في هشيم قوات الاحتلال.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن احتلال العراق حصراً كما حدده دونالد رامسفيلد أحد أقطاب إدارة جورج بوش، قائلاً: (إن العرااق هو مركز جغرافي لدائرة إذا سقط المركز فيها تتداعى جميعها كأحجار الشطرنج). وعقَّب بول وولفويتز، قطب آخر، قائلاً: (إن أميركا سوف تستولي على الجوار الجغرافي للعراق بوسائل أخرى). وكانت عنجهية كولن باول في زيارته لإنذار دمشق ترجمة لتلك الاستراتيجية.

د-أكلت أميركا (ضرباً من البلاهة السياسية) عندما نقلت (كروم العنب في العراق) إلى حراسة (الثعلب الإيراني)، فبشم منها. وفي المقابل صرَّح دونالد ترامب -الرئيس الأميركي في الدورة الانتخابية السابقة لعهد بايدن-: (دفعت أميركا المال والدم في العراق من دون الحصول على شيء؛ بينما حصل النظام الإيراني على كل شيء، ولم يدفع أي شيء). وكانت من آثار تلك البلاهة أن تحوَّل النظام الإيراني قبل الآن بسنوات من موظف عند الأميركي إلى أسد يقف موقف الند للند معه.

وهنا يمكننا إعادة التذكير بما حصل أثناء مناقشة الإعداد للعدوان، عندما سُئل دونالد رامسفيلد عن خطة الإدارة لتمويل العملية العسكرية، أجاب: (سوف نقوم بتمويلها من نفط العراق). وهذا ما يفضح البلاهة الأميركية هو أنها دفعت الآلاف من المليارات من الدولارات، وعشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الجنود المعطوبين وحصلت على صفر نتائج. ولكن النظام الإيراني هو الذي حصد كل النتائج بتكلفة صفر من التكاليف.

وبوصف مختصر لأداء الإدارة الأميركية يمكننا القول بأن تلك الإدارة كانت على غاية من:

-الغرور بأنها بدأت بتنفيذ مشروع (نحو قرن أميركي جديد)، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإعلان انتصار الديموقراطية الأميركية، التي اعتبرها صاموئيل هاننتغون بأنها ستقود العالم لاحقاً.

-وقصر النظر في تقدير موقف الشعور الوطني العراقي الذي تصاعدت عمليات مقاوميه لاحقاً إلى أن بلغ تعدادها المئات يومياً. وهي لم تتعلم من دروس هزيمتها في فييتنام قبل عقود لم يمحها الزمن. وربما يكون الغرور الأميركي سبباً في قصر نظر تلك الإدارة.

-والبلاهة في اختيار الحلفاء خاصة تاجر البازار الإيراني، وانتهازيته الموصوفة باقتناص أية فرصة لتكديس أرباحه بدون النظر إلى وسيلة الحصول عليها. وربما يكون الغرور قد أعماها ودفعها إلى اعتبار أن تنفيذ مشروع الشرق الأوسط -القائم على تفتيت الدول العربية إلى دويلات طائفية- ناجح لا محالة. ولهذا السبب ولأن أيديولوجيا نظام ولاية الفقيه المذهبية تساعد كثيراً في إنجاح ذلك المشروع، سلَّمت الإدارة الأميركية شؤون العراق إليه، وهي مطمئنة أنه سيؤدي دور الموظف عندها وسوف يرضى بما ستعطيه من مكتسبات بالاعتراف له بحقوق الهيمنة على الدويلات الشيعية التي ستنشأ هنا أو هناك من ضمن خارطة الدويلات. وكانت الإدارة الأميركية تضمر أن نظام ولاية الفقيه سوف يستمد سبل الاستمرار تحت خيمة الإمبراطور الأميركي. ولم تحسب أن نظاماً قائماً على أيديولوجيا غيبية سوف يعتبر أن ما حصل عليه، هو بمثابة (نصر إلهي)، على قاعدة الوعد الإلهي في القرآن الكريم﴿َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ، وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.: ﴿إن يَنصُرْكُمُ الله فَلَا غَالِبَ لَكُمْ… ﴾. و﴿…فَإنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ…﴾.

وإننا استطراداً، واستكمالاً، لهذه الفقرة، وعلى الرغم من أنها تحتاج إلى مقال آخر، نعتقد أنه بعد انكشاف الدورين الأميركي والإيراني الخطيرين على السلم القومي للوطن العربي، وكذلك السلم الأهلي الدولي في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى، ولتوفير حماية لسلامة التوظيفات المالية الدولية، ظهرت متغيرات في المواقف الدولية وفي المقدمة منها المواقف الأميركية تعمل على إطفاء بؤر التوتر في المنطقة. ولأن هناك إجماعاً على أن الميليشيات الإيرانية خاصة في العراق تُعدُّ من أخطرها، سوف تطال المتغيرات إلغاء وظائف المشاريع الإلغائية الصهيونية ومعها المشروع الإلغائي للولي الفقيه في إيران، وسوف تكون الساحة العراقية -كما نعتقد- في طليعة الساحات التي سوف تنال نصيبها في المعالجة. ويعود سبب اعتقادنا إلى أن الأزمة ابتدأت باحتلال العراق وسوف تنتهي بتخليصه من عوامل تفجير السلم الأهلي على أرضه.

المقاومة الوطنية العراقية كانت ولا تزال استراتيجة البعث في تحرير العراق:

إن البعث يُثمِّن ما قدمته أطراف وطنية عراقية أخرى في معركة تحرير العراق من تضحيات. وهو على الرغم من أن المقاومة الوطنية العراقية -بكل فصائلها- دفعت مئات الآلاف من الشهداء -معظمهم من البعثيين- لم تنل من عزيمتهم وعود الغرب ولا وعيدهم. بل هم محافظون على استراتيجيتهم التي أعلنوها منذ بدأ المقاومون العراقيون في الانقضاض على قوات حلف الأطلسي وفتحوا عليها (أبواب جهنم). وهم عازمون حتى الآن على تحرير العراق، وإعادته إلى حضنه العربي، ليشكل بوابة الصدِّ الاستراتيجي التي ترعب كل من يتجرأ على اختراق الأمن القومي العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى