إقتصاددراسات وأبحاثقيادات الأقطار

حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل) قيادة قطر السودان اللجنة الاقتصادية

حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
قيادة قطر السودان
اللجنة الاقتصادية

مقدمة
بمرور عام على حرب التدمير العبثية التي اندلعت في “15” أبريل من العام الماضي، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، تتناول اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بالرصد والبيانات، ما أمكن، والتحليل، وبمنظور اقتصادي اجتماعي، تداعيات الحرب وآثارها البنيوية على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد من خلال عدة محاور:
1/ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
2/ أسباب اندلاع الحرب
3/ الدور والتأثير الدولي والإقليمي في مجرياتها
4/ المعالجات.

“1” من “3”

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب

يصادف “15” أبريل/نيسان مرور عام على اندلاع الحرب، المجردة من أي مشروعية أخلاقية، بين القوات المسلحة ومن خلفها فلول الحركة المتأسلمة وقوات الدعم السريع في “15” أبريل “2023”، والتي تعد أكبر كارثة تواجه المجتمع السوداني منذ أكثر من “130” عاما (مجاعة سنة 1306 هجرية) من حيث تأثيرها الزماني والمكاني. فقد استمرت إلى أكثر من “12” شهرا حتى الآن، واتسع نطاقها الجغرافي ليشمل “12” ولاية من أصل “18” ولاية، أغلبها من الولايات الأكثر تأثيرًا على مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي، بوتيرة تدميرية هائلة خلخلت النسيج الاجتماعي السوداني وأدت إلى كارثة إنسانية اعتبرها المراقبون أسوأ مأساة إنسانية في العصر الحديث خلفت أكبر موجة نزوح في العالم. حيث دمرت الحرب البنى التحتية الأساسية وحطمت قواعد الاقتصاد والإنتاج، وأدت لانهيار النظام الصحي والجهاز المصرفي وتدهورت خدمات الكهرباء والمياه وتوقفت الدراسة والعملية التعليمية في غالب مؤسسات التعليم العالي والعام، وتعطلت الأسواق والنشاط الإنتاجي وسلاسل التوريد، وقفزت أسعار السلع والخدمات أو انعدمت. وفي أحدث تقرير لوكالات الأمم المتحدة صدر في أبريل 2024، فإن أكثر من نصف سكان السودان، أي “25” مليون شخص في حاجة إلى المساعدات الإنسانية والدعم، بينهم “14” مليون طفل. وأن “17.7” مليون شخص – أكثر من ثلث سكان البلاد – يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد (IPC3+)، مع التحذير من مجاعة محتملة، وهناك ما يقرب من “5” ملايين شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة، كما أفادت التقارير بنزوح “8.6” مليون شخص داخل السودان وخارجه، منهم “4” مليون طفل. وأدت الحرب، على أقل تقدير، لمقتل أكثر من “14” ألف شخص، وإصابة “27” ألفا، وشلت العملية التربوية التعليمية بمستوياتها الثلاث إضافة إلى ما قبل التعليم.

هذه المساهمة سوف تناقش التداعيات الكارثية للحرب على مجمل القطاعات الاقتصادية، وتكشف الأسباب الحقيقية لاندلاع الصراع وعلاقته باستراتيجيات القوى الاستعمارية والإقليمية، وتقترح بعض المعالجات على المدى القريب والاستراتيجي.
تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد كان قد تعرّض لهزة عنيفة جراء انقلاب البرهان/ حميدتي في 25 أكتوبر 2021، تمثلت في تجميد “4” مليار دولار في شكل منح للسودان وتوقف عملية إعفاء الديون البالغة “56” مليار دولار المخطط لها يونيو 2024م. والقرارات الارتدادية على ما حققته لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد المال العام التي اتخذتها سلطة الانقلاب.
وتفاقمت الضغوط على مجمل القطاعات الاقتصادية نتيجة للحرب وتدمير البنى التحتية وغالب المناطق الصناعية، وتوقف النشاط الإنتاجي، فقد تعرض “90%” من المصانع والشركات ومزارع الخضر واللحوم والدواجن في العاصمة والولايات لعمليات تدمير كلي، تناولته اللجنة الاقتصادية في بيان سابق، أدى إلى ندرة كبيرة في السلع والمواد الغذائية المنتجة محلياً، وتضاعفت أسعارها لمستويات قياسية شملت الولايات التي لم تشهد معارك عسكرية.
وانخفضت قيمة العملة المحلية مقابل الدولار ليسجّل سعر صرف الدولار حاليا “1400” جنيه مقابل “650” جنيها في أبريل الماضي، بنسبة انخفاض “115%”، وعجزت سلطة الانقلاب عن دفع مرتبات العاملين منذ بداية الحرب وفقد أكثر من “2.5” مليون شخص وظائفهم في القطاع الخاص، ونتيجة لذلك فقدت الدولة أحد أهم عناصر الإنتاج وهو رأس المال البشري، فهاجر رأس المال البشري والكفاءات الوطنية بكثافة إلى كل دول العالم، إضافة إلى انحسار مساهمة تحويلات المغترين إلى نحو “60%”، والتي بلغت سابقا نحو “7” مليار دولار في العام 2022، جراء الهجرة والنزوح، إضافة إلى هجرة أصحاب الأعمال والرأسمال الوطني إلى العديد من البلدان، لا سيما مصر وإثيوبيا وتركيا ويوغندا ودولة جنوب السودان ورواندا وغيرهما، والتي تقدر بأكثر من “50” مليار دولار. إذ تشير التقارير المصرية فقط أن رأس المال السوداني المستثمر في القطاع العقاري بلغ أكثر من “20” مليار دولار، فهجرة هولاء برؤوس أموالهم واستثماراتهم.

وتشير بعض التقارير إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى رقم مكون من “3” أرقام مما أدى إلى إنهاك القوة الشرائية للمواطن، وأن الاقتصاد سيشهد انكماش بأكثر من “40%” نتيجة لتوقف الإنتاج. وأفاد صندوق النقد الدولي في تقرير يناير الماضي 2024، بأن: (الصراع في السودان أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، كما توقّف النشاط الاقتصادي في أجزاء كبيرة من البلاد، مما أسهم في استمرار معدلات النمو السالبة عقب الانكماش الحاد الذي شهده عام 2023).

ومن آثار الحرب على الجهاز المصرفي، تآكل رؤوس أموال البنوك، وعجز المودعين والمستثمرين عن استرداد أرصدتهم نتيجة لتعرض “32” بنكا، من أصل “36”، للنهب والتدمير، إضافة للتعثر في سداد عمليات التمويل والقروض، وارتفاع نسبة الديون الهالكة. وقد حذر بروفيسور إبراهيم أونور، أن من بين ثلاثة بنوك تجارية عاملة الآن، إثنان منها معرضة للإفلاس والانهيار في أي لحظة، نتيجة لتأثير الحرب على الاقتصاد وتأثير العملات المزورة المتداولة بحجم كبير في الأسواق .

أما قطاعي الطاقة والنقل فقد كان للحرب آثارها الكبيرة عليهما، فقد أضر الصراع بالبنية التحتية النفطية، فأصابت نيران المعارك مصافي الجيلي والأبيض عدة مرات، وتضررت خطوط الأنابيب التي تحمل “150” ألف برميل يوميا من نفط جنوب السودان، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالمستودعات الرئيسية في الخرطوم – الشجرة ولمصفاة الجيلي. وأشارت التقارير إلى أن الصادرات من محطة بشاير في البحر الأحمر سجلت أدنى مستوى لها في “11” شهرًا عند “79” ألف برميل يوميًا في فبراير. كما تم إلغاء حمولة شحنة واحدة على الأقل من “600” ألف برميل من النفط كان من المقرر تحميلها يومي “22” و”23″ فبراير. وتعطلت حركة السلع والخدمات وعمليات التجارة والنقل، بين بورتسودان وبقية الولايات، وأدى انخفاض إنتاج النفط السوداني إلى ارتفاع أسعار المحروقات لمستويات قياسية انعكست سلبا على مجمل القطاعات الاقتصادية وزادت من معاناة المواطنين .
أما قطاع النقل المكون من البصات السفرية والطائرات، والشاحنات والحافلات، فقد أوشك على الانهيار جراء توقف المطارات عن العمل، وبرا بتضرر البنية التحتية من طرق وجسور، وارتفاع تكاليف التشغيل، وانعدام قطع الغيار بسبب عمليات السلب والنهب، مما أدى إلى خروج “75%” من شركات البصات السفرية عن الخدمة. كما أن تدمير بعض الجسور في العاصمة المثلثة، وتمدد الحرب إلى الجزيرة في ديسمبر من العام الماضي، عطل طريق المرور السريع الرئيس، مما دفع النازحين لاستخدام قوارب الصيد المتهالكة، رغم المخاطر، نجاةً من جحيم الحرب والطرق الدائرية الوعرة.

وعلى صعيد التجارة الخارجية فقد تضاعفت قيمة الواردات، وتراجعت عائدات البلاد من الصادر بنسبة كبيرة، خاصة بعد قرار وزارة المالية رفع قيمة الدولار الجمركي إلى “950” جنيها بدلا من “650” جنيها، بنسبة “46%”، واستشراء عمليات التهريب والتهرب الضريبي. وقد أفاد تقريرالغرفة القومية للمصدّرين بأن معدل الصادرات الشهري بلغ “32” مليون دولار، مقارنة بالعائدات التي كانت تصل إلى “417” مليون دولار شهرياً خلال فترة الحكومة الانتقالية في 2021، مما يؤدي إلى عجز كبير في الميزان التجاري وعجز في الميزانية العامة التي فشلت سلطة الانقلاب في إعدادها وإجازتها للعام الثاني على التوالي.

أما الضرر الأكبر فقد أصاب القطاع الزراعي الذي يعتبر أهم قطاع يستوعب “70%” من السكان ويساهم بحوالي”56%” من إجمالي الصادرات، حيث انخفضت المساحة المزروعة في البلاد بحوالي “60%”. ومع انتقال الحرب إلى ولاية الجزيرة تراجعت المساحة المزروعة إلى “37%” فقط، الأمر الذي يهدد سبل عيش السكان وأمنهم الغذائي ومصادر الدخل.
وقد حذر برنامج الأمم المتحدة للغذاء العالمي، من أن الحرب في السودان دفعت البلاد إلى شفير الانهيار وأن أقلّ من” 5%” فقط من السودانيين يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم. كما حذَّرت منظمة يونيسف من خسائر كارثية محتملة في الأرواح في السودان مع تفاقم نسبة الموت جوعا بسبب الحرب الأهلية. وصرحت ممثلة يونيسف في السودان مانديب أوبراين إنه: (لم يتبقّ سوى بصيص من الأمل للحيلولة دون «خسارة جماعية» لحياة ومستقبل الأطفال في السودان).
وقد نشرالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ( International Food Policy Research Institute)
(IFPRI),
دراسة بعنوان (رصد مؤشرات النشاط الاقتصادي في السودان في ظل الصراع الدائر باستخدام بيانات الأقمار الصناعية – يونيو 2023)، نقتبس منها الفقرات أدناه:
(من المتوقع أن ينخفض الإنتاج الزراعي والصناعي في الخرطوم ومناطق النزاع الأخرى انخفاضا كبيرا. وستكون حركة مدخلات الإنتاج من الخرطوم وبورتسودان إلى مناطق أخرى في جميع أنحاء البلد مقيدة. ومن المرجح أن يواجه المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة محدودية الوصول إلى مدخلات الإنتاج بسبب مركزية العديد من المؤسسات مثل البنك الزراعي والجمارك، التي لا يمكنها العمل في الخرطوم. علاوة على ذلك، في مناطق مثل دارفور وكردفان، حيث يتصاعد الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، سيتأثر موسم الزراعة والمزارعين ومسارات رعي الرعاة.)
(كان للاضطرابات السياسية في السودان آثارا خطيرة على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي على مر العقود. أدت الأشكال المختلفة للصراع في مناطق البلاد المختلفة إلى نقص الغذاء وانخفاض الإنتاجية الزراعية وانخفاض مساهمة الزراعة في نمو الناتج المحلي الإجمالي).
أسفرت الحرب الأهلية الثانية بين عامي “1983- 2005” – بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان/ الجيش الشعبي لتحرير السودان عن نزوح كبير، وخسائر في الأرواح، وتدمير البنية التحتية في مناطق مثل جبال النوبة في جنوب كردفان. وتشير التقديرات إلى أن السودان خسر ملايين الدولارات سنويا من الصادرات الزراعية خلال النزاع وأدى الصراع إلى اضطراب في سلاسل القيمة الزراعية، مما أدى إلى تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي وإعاقة التنمية الاقتصادية. وبالمثل، فإن نزاع دارفور كان له عواقب وخيمة على رفاهية سكان الأقاليم. تشير التقديرات إلى أن هذا الصراع أثر بشكل مباشر على حوالي “2.7” مليون من المزارعين والرعاة، علاوة على ذلك، أعاق انقطاع طرق التجارة وانعدام الأمن في المنطقة تصدير المنتجات الزراعية، مثل الثروة الحيوانية، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الإيرادات.
لعب الجيش في السودان تاريخيا دورا مهيمنا في العملية الاقتصادية، لا سيما إبان الدكتاتوريات العسكرية فى مايو 1969، والإنقاذ 1989، و”25″ أكتوبر 2021، أدت مجموعة من العوامل، مثل القوة والهيمنة الاقتصادية والاستيلاء على الريع، إلى الصعود التدريجي للمنظومة العسكرية الأمنية بقيادة الجيش لتشكيل (كليبتوقراطية عسكرية)* كما شاركت شبكات الأعمال التي تعمل جنبا إلى جنب مع الجيش تاريخيا في التوزيع غير المتكافئ للثروة الذي شكل نظاما من ( زبائنية الدولة.)*

كما نشر برايان دي سيلفا وهالة أبو شامة وآخرين، دراسة بعنوان القيود السياسية وفرص الاستثمار الزراعي في السودان نقتبس منها الفقرتين أدناه:
(ورثت الحكومة الانتقالية هيكل حوكمة فضفاض مع انتشار الشركات المملوكة للدولة في جميع القطاعات. وعلى وجه الخصوص، تزامن حكم البشير الذي دام “30 ” عاما مع زيادة تراكم الشركات المملوكة للدولة والشركات العامة ذات الملكية المخصصة وهياكل الرقابة التي تتجاهل مبادئ الحكم الرشيد. ويشير تقرير صدر مؤخرا إلى أن العدد الإجمالي للشركات المملوكة للدولة قد يتجاوز “650” شركة، “431” منها تحت اختصاص الوزارات والوكالات المدنية المختلفة، وحوالي “200” تحت اختصاص نظام الصناعات الدفاعية) يشار إليها أيضا باسم المؤسسة الاقتصادية العسكرية ( والقوات العسكرية المختلفة في الواقع، خلال حكم البشير، جمع الجيش وقوات الدعم السريع وجهاز الأمن حيازات تجارية واسعة، وعند توليه منصبه، كشف رئيس الوزراء حمدوك أن “82” في المئة من الميزانية خصصت للشركات العسكرية مقارنة ب “18” في المئة لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي. وبالتالي، فإن تخفيف قبضة المنظومة العسكرية والأمنية على الاقتصاد أمر ضروري لتمويل الخدمات الاجتماعية والاقتصادية المهمة مثل الصحة والتعليم والزراعة)
انتهي الاقتباس.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هيمنة المنظومة العسكرية والأمنية على مفاصل الدولة والاقتصاد، شبه الاحتكاري، تم على هدى فلسفة التمكين الإسلاموي، بزعامة الترابي، وبتناقض مع فلسفة اقتصاد السوق التي تبنتها الإنقاذ منذ فبراير” 1992″. وإن الإشارة إلى عدد الشركات المملوكة للدولة تستوجب الإشارة إلى أنه تم الإبقاء عليها في إطار صراعات المصالح والنفوذ داخل المنظومة الحاكمة، بعد أن سلطت سيوفها على مؤسسات القطاع العام الرائدة في قطاعات النقل (السكة حديد، النقل البحري، النقل النهري، سودانير، والزراعة والصناعة وشركات المساهمة العامة والقطاع التعاوني). إن وجود بيئة سياسية وحوكمة مؤاتية أمر ضروري لاعتماد وتنفيذ السياسات المطلوبة للتحول الزراعي، وخاصة في الدول الهشة مثل السودان. وقد أبرزت عملية تقييم الاقتصاد السياسي في هذه المذكرة أن الهياكل العسكرية وشبه العسكرية تحتكر حصة سوقية كبيرة من الشركات المملوكة للدولة، وشراكات الشركات الخاصة، وحق تأجير الأراضي للشركات الأجنبية في قطاع الزراعة”. انتهي الاقتباس.

شأنه شأن القطاعات الأخرى، فقد أدت الحرب إلى انهيار النظام الصحي الهش بطبيعته. وقد وصفت منظمة اليونيسيف النظام الصحي في السودان بالهشاشة، إذ أن المؤشرات الصحية منخفضة والتفاوتات هائلة بين “المناطق الحضرية والريفية وبين الأغنياء والفقراء. وان هناك أكثر من” 8″ ملايين طفل دون سن الخمس سنوات، معرضون للخطر بسبب عدم تمكنهم من الحصول على الخدمات الأساسية المنقذة للحياة. يموت سنويًّا “78000” طفل دون سن الخمس سنوات لأسباب يمكن الوقاية منها مثل الملاريا. وسبق أن حذرت منظمة الصحة العالمية من تفشي واسع النطاق لعدد من الأمراض الوبائية في السودان بسبب تدهور النظام الصحي نتيجة الصراع، وأعلنت عن تفشي الكوليرا وحمى الضنك شرق السودان، كما شهدت “13” ولاية موجة أو أكثر من تفشي مرض الشيكونغونيا وحمّى الضنك وحمّى الوادي المتصدع أو الدفتيريا. كما واجهت المرافق الطبية في جميع أنحاء البلاد نقصًا في الأدوية الأساسية، بسبب ضعف البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والنظافة (WASH).

وقال الدكتور نعمة سعيد عابد، ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان: (أن الوصول إلى الرعاية الصحية ما زال محدودا بسبب انعدام الأمن والنزوح ونقص الأدوية والإمدادات الطبية – مما يعرض ملايين السودانيين لخطر الإصابة بأمراض خطيرة أو الوفاة لأسباب يمكن الوقاية منها وعلاجها). مؤكدا إن النظام الصحي قد وصل إلى نقطة الانهيار نتيجة للضغط الكبير على المرافق الصحية وانخفاض قدرتها على استيعاب الاحتياجات المتزايدة الناجمة عن تفشي الأمراض وسوء التغذية.
وقال إن غالبية المرافق الصحية في بؤر النزاع الساخنة أصبحت لا تعمل. أما المرافق في المناطق التي لم تتأثر بشكل مباشر بالنزاع، فهي تعاني من اكتظاظ المرضى. وأضاف أن العاملين في مجال الرعاية الصحية لم يحصلوا على رواتبهم منذ ما يقرب من سبعة أشهر.
وقد تعرضت مرافق الرعاية الصحية لأكثر من ” 60″ هجوما مما أدى إلى مقتل “34” شخصا وإصابة “38” آخرين، مما أثر بشكل أكبر على توافر الرعاية. وأشار إلى أن النزوح الجماعي الذي أعقب الصراع تسبب في حالة سوء تغذية واسعة النطاق، حيث أصبحت حياة الأطفال على المحك.
كما أن نزوح الملايين من مناطق النزاع إلى الولايات الأخرى تسبب في ضغوط كبيرة على المنظومات الصحية وتوفير السلع والخدمات وأدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات فتضاعفت أسعارها، مما أرهق كاهل النازحين وسكان هذه المناطق.

أما في قطاع التعليم فقد تأثرت العملية التعليمية بكل محاورها تأثر بالغا بالحرب، فقد تأثر الطلاب والكثير من المعلمين بشكل مباشر بسبب النزوح واللجوء، وعدم الاستقرار. وتعرضت “40%” من المؤسّسات التعليمية في ولاية الخرطوم للدمار والتخريب. كما تضررت الوزارة باشتعال النار في عدد من طوابقها، واحتراق عدد كبير من المكاتب. وطال التخريب كل مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بولاية الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى شملت البنى التحتية من مراكز الدراسات والبحوث، والمعامل والورش والمكتبات والقاعات والمكاتب الإدارية حرقا ونهبا وتكسيرا. وبحسب مراقبين، تضاعف العدد بعد تمدّد العمليات العسكرية في ولايات أخرى، وأصبحت المدارس في ولاية الخرطوم ثكنات عسكرية أو مستهدفة بالقصف وفي الولايات الآمنة تحولت إلى دور إيواء للنازحين.
وللعام الثاني على التوالي لم تُجرَ امتحانات شهادة الثانوية العامة السودانية، كما أن بعض الكتب المدرسية غير متوفرة نتيجة توقف المطابع بسبب الحرب.
ويعيش المعلمون وأساتذة الجامعات في “12” ولاية أوضاعا مزرية لعدم صرف رواتبهم لشهور عديدة. وقد أفادت تقارير لجنة المعلمين عن مقتل “13” معلماً في ولاية الخرطوم واعتقال وتعذيب آخرين.
ويواجه “600” ألف طالب جامعي في مؤسسات التعليم العالي مصيرا مجهولا بعد إغلاق جامعاتهم وضياع وثائقهم الأكاديمية، فضلا عن” 19″ مليون تلميذ خارج المدارس منهم “6” ملايين في المرحلة الابتدائية، ليضافوا إلى “3” ملايين طفل تسرّبوا من المدارس في فترات سابقة. كما إن آلاف التلاميذ اللاجئين في دول الجوار لم يتمكّنوا من الالتحاق بالمدارس بسبب ظروف عائلاتهم الاقتصادية.
وقد أصدرت منظمّات دولية بيانات وتقارير وإحصائيات تحذر من واقع مظلم للتعليم في السودان. وتقول منظمّة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، ومنظمّة أنقذوا الأطفال، إن واحداً من كل ثلاثة تلاميذ سيكون خارج المدرسة، في وقت أغلقت أكثر من 10 آلاف مدرسة أبوابها في المناطق المتضرّرة من النزاع. وأوضحت مسؤولة الاتصالات والإعلام في مكتب “يونيسف” في السودان، ميرا ناصر، أن الحرب في السودان تسبّبت بواحدة من أكبر الأزمات التعليمية في العالم اليوم، مع إغلاق المدارس في جميع الولايات تقريباً منذ إبريل العام الماضي. وإن لهذا “تأثير ليس فقط على التعلم، وإنما أيضاً على الصحة العقلية ورفاهية الأطفال في جميع أنحاء البلاد، كما يعرّض مستقبل السودان للخطر”.

على الصعيد الإنساني والاجتماعي، فإن استمرار الحرب وتمددها يعرض المواطنين لمخاطر وجودية بعد أن أوجدت الحرب أوضاعا مأساوية. وفرضت حالة من الفقر على قطاعات عريضة من المجتمع السوداني، وتشير بعض المصادر أن” 95%” من السودانيين يعيشون حالة من الفقر الحاد الطبيعي والمؤقت الناتج عن التوقف المفاجئ للإنتاج وإنهيار مصادر الدخل، وقد عرفه د. محمد عبد الحميد أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية (بأنه فقر مؤقت أو عارض) مضيفا أن (الكارثة عندما تضرب مجتمعاً ما فإن من أكبر ما تخلفه هو حالات الفقر المؤقت التي تصيب معظم المتضررين من الكارثة، وأن أخطر ما فيه هو عدم الاعتراف به أو التعامل معه بأنه لم يحدث).

حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
اللجنة الاقتصادية
أبريل 2024

*الكليبتوقراطية هي شكل من أشكال الحكومة أو النظام الذي يتفشى فيه الفساد، ويستخدم المسؤولون مناصبهم في السلطة لجمع الثروة بشكل غير قانوني مما يؤدي إلى انتشار الفقر، وتدهور ثقة الجمهور في المؤسسات الحكومية.

*الزبائنيـة هو نظام سياسي واجتماعي قائم على المحسوبية مرتبط بالفساد السياسي والإداري وعلـى اسـتغلال النفـوذ والسـلطة، مـن أجـل تأميـن مصالـح خاصـة علـى حسـاب المصلحـة العامـة، أي أن صاحـب السـلطة أو النفـوذ يســتند فــي عملــه إلــى اســترضاء الآخرين أو اســتمالتهم، مــن خلال مــا يوفــره لهــم مــن خدمــات مقابل كسـب الـولاء وتوسـيع دائـرة المناصريـن والمؤيديـن لتشكيل السياسة العامة وعرقلة مؤسسات الدولة، كما أن الزبائنيـة الخارجيـة تنظـم العلاقـة الفاسـدة بيـن السـلطة والقـوى الخارجيـة الحاميـة لهـا من خلال التأثير على القرارات السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى