مقالات

فلسطين: حذار من البقاء في مربع الانقسام —أحمد علوش

فلسطين:
حذار من البقاء في مربع الانقسام
أحمد علوش
في أعقاب حرب تشرين أول 1973، ساد الاعتقاد عند معظم العرب وبعض الفلسطينيين أن التسوية قاب قوسين أو أدنى، وبدأ الكل يرتب أوضاعه على هذا الأساس، وزار وفد من القيادة الفلسطينية بغداد في حينه عارضاً رؤيته الفلسطينية للمستقبل ومشدداً على موقع الفلسطينيين ودورهم فيها على أرضية أن هناك أرضاً فلسطينية سيجلو عنها الاحتلال فيجب أن لا تترك للأردن أو تعود للوصاية المصرية، وقد رد القائد الشهيد صدام حسين وكان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك، إننا لا نرى في الأفق تسوية، هذا إذا كانت التسوية صالحة في هذا الصراع الوجودي، كما أن ميزان القوى لم يختل لدرجة تدفع العدو الصهيوني نحو التسوية، وإذا سلمناه بوجهة النظر هذه فإن الحل لن يتحقق إذا لم يقدم حلاً للقضية الفلسطينية لذلك فليس مطلوباً منكم اللهاث خلفهم أو محاولة اللحاق بهم، فليمر قطار التسوية عبر كل العواصم فهو سيأتي عاجلاً أم آجلاً للمحطة الفلسطينية.
بعدها عُقد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة في القاهرة وأقر برنامج النقاط العشر وقد علق (رحمه الله) عليه في حينه أن هذا البرنامج صنع بطريقة قد تنتزع منه أفضل الإنجازات أو قد يقوم من خلاله أقسى التنازلات، فذلك مرهون برؤية القيادة التي ستتعاطى معه.
لقد أدت أجواء ما بعد حرب تشرين إلى اختلاف عميق في الساحة الفلسطينية بين من رأوا أن التسوية فتحت باباً لقيام دولة فلسطينية، والذين اعتبروا أن شيئاً كبيراً لم يتغير وتمسكوا بالثابت الستراتيجي، إلا أن مراهنة البعض وسعيه للتعاطي مع المرحلي ولو على حساب بعض الستراتيجي، والآخر الذي تمسك بالخيار الستراتيجي دون أن يقدم تصوراً مرحلياً خطرة ومتسارعة ومتغيرة، الاختلاف في وجهات النظر لم يفسد للود قضية وبقيت الساحة الفلسطينية تحافظ على تنوعها وديمقراطيتها والتي كان الرئيس الشهيد ياسر عرفات يتباهى وبديمقراطية البنادق، وواصل الفلسطينيون على تنوعهم واختلافهم مسيرة الثورة والتقدم وتحقيق الإنجازات.
وفي ظل كل هذه الظروف والمخاطر والتحديات أجمع الكل الفلسطيني على الحد الأدنى الذي يجب عدم تجاوزه أو اختراقه إلى أن وقع الانقسام المدمر والانقلاب في غزة حيث بدا هذا الانقسام سرطانياً بعد فشل كل الحوارات والاتفاقات التي تم التوصل إليها والتي كان حبرها يجف لحظة التوقيع عليها.
وفي معطيات الوضع الراهن لا بد من التذكير “أن من لا يقروؤن التاريخ يعرضون أنفسهم لتكرار أخطاء الماضي” فكيف إذا كان هذا التاريخ يعود لسنوات قليلة ويمتد حاضراً في ظل معطيات تختلف الآن عن كل ما سبقها في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها أبناء الشعب العربي الفلسطيني في غزة وتمتد إلى الضفة الغربية وفي ظل الحديث عن “اليوم التالي” الذي يريد من خلال استراتيجية الاقتلاع والتهجير وتصفية القضية الفلسطينية والتي تترافق مع محاولات تصفية “الأونروا” لشطب حق العودة.
وفيما كانت الأجواء تفاؤلية بعد حوارات جرت في تركيا والدوحة وآخرها في موسكو عادت الأمور إلى التأزم، فبعد استقالة حكومة اشتيه وتكليف الرئيس محمود عباس لمحمد مصطفى بتشكيل حكومة جديدة، ردت حركة حماس وبعض الفصائل ببيان أثار خشية ومخاوف كل أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وبدا كأنه تكرار لسيناريو تعودناه بعد كل حوار أو تفاهم، وهو ينسف تصريحات بعض حماس عن استعداد للتلاقي والعمل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني والمعترف بها فلسطينياً وعربياً ودولياً، وكذلك رد حركة فتح الذي أشار إلى تفرد “حماس” في المعركة الأخيرة دون استشارة أو إخطار الأخرين بذلك.
وأمام هذا الواقع، وفي ظل المعطيات والظروف الفلسطينية والأخرى المعروفة لن ندخل بما ورد في البيانين لكي لا نساهم عن قصد أو بدونه في تعميق شرخ تمنينا وحاولنا على الدوام رتقه وإزالته ونكتفي بالقول أن على الجميع الارتقاء إلى مستوى المخاطر والتحديات والبدء بحوار جدي سقفه اللقاء في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني وبدء خطوات عملية ملموسة لانخراط الجميع فيها، والاتفاق على برنامج سياسي شامل يسقط الحسابات الفئوية ويتحرر من الحسابات الإقليمية والامتدادات لمحاور تعود هذه المرة بالكارثة وليس فقط بالضرر على القضية الفلسطينية. فيجب أن تكون المصلحة الوطنية العليا فوق الجميع وفاء لدم يطهر أرض غزة والضفة وحذار من البقاء في مربع الانقسام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى