وتنهض شامخاً من قلب الرماد — أحمد علوش
وتنهض شامخاً من قلب الرماد
أحمد علوش
“ولذا تصنع من جلدي السجاجيد، الستارات، المماسح
في مقر الأمم المتحدة
ولذا تنهش أطفالي الجوارح
ولذا يكتب إعدامي على كل اللوائح”
أيها الفلسطيني الطالع من بطون الجرح، أيها القابض على جمر النار حصاراً وجوعاً وتبحث في روث المواشي عن حبوب، وفي أعشاب الأرض عما يسد الرمق ولا يغني عن جوع، وتوزع أشلاءك ليس في غزة فقط بل على مساحة هذه الأرض المسماة فلسطين، وستبقى تحمل اسمها وهويتها.
من أين نبدأ الحديث، عن أشلاء الأطفال أم المقابر الجماعية التي تصفع كل أدعياء الحضارة والمتشدقين بحقوق الإنسان وشرائع لا تساوي حبراً تكتب به، أم عن أشقاء غيارى على العدو ويمدونه بالسلاح والغذاء بينما يسدون عنك كل المعابر والمنافذ ويتمنون لو يسدوا عنك الهواء، أنهم أيها الصابر الصامد المقاوم ينامون في كهوفهم بل جحورهم كأهل الكهف، ولكن ليس بحكمة ربانية بل خنوعاً أمام بني صهيون وخضوعاً لسيد البيت الأبيض.
منذ مائة عام ويزيد وأنت طائر فينيق العرب تنهض شامخاً مثل الرماد، من حصار إلى حصار، ومن مذبحة إلى مجزرة وأنت تمارس فن الموت وتولد قديساً بزي مقاتل شامخاً من قبل مآذن مساجد القدس وأجراس كنائسها وتشد أصابعك على مفتاح البيت القديم ميراث من الجد إلى الابن إلى الحفيد، فلله درك كم أنت متجذر في هذه الأرض تغوص عميقاً في التراب ترسم بدمك ودماء كل الأطفال لوحة لحقول القمح وأشجار الزيتون وبيارات البرتقال.
من حصار إلى حصار، ومن مجزرة إلى مذبحة، فمن أين نبدأ من دير ياسين وكفرقاسم، من تل الزعتر أم صبرا وشاتيلا، أم من حرب الإبادة الدائرة في غزة الآن وامتدت إلى الضفة الغربية ويلوحون بالآتي الأعظم إلا أن صبرك وصمودك وانتصارك أسقط كل الحسابات وسيظل انتصارك هو الحقيقة الثابتة في هذا الزمن لأن لسان حالك إننا في زمن الجراحات فيا جراحنا انتصري.
أنت الآن تقاتل نيابة عن أمة خذلها حكامها وحراكها الجماهيري لم يتجاوز حدود الاحتجاج إذ لم ينجح في إغلاق سفارة أو منع قافلة تجتاز عدة حدود لتغذي شرياناً للقتلة، ولكنك تؤمن مثل كثيرين أنها أمة حية ولا بد أن تنهض دفاعاً عن وجودها، وعن ماضيها وحاضرها ومستقبلها، عن لغتها وتراثها وحضارتها.
تحية لك أيها الصابر الصامد، وأنت تمارس فن الموت مرة ومرة ومرات وتعود كل مرة قديساً بزي مقاتل، وفي كل مرة أكثر صلابة وأشد عزماً وبأساً بخطوات واثقة نحو الانتصار،
“وأنا إذا احترقت على صليب عبادتي
سأعود قديساً بزي مقاتل”.
ولتبقى أيها الطفل الفلسطيني تكتب سفراً خالداً في تاريخ فلسطين وكذلك في تاريخ أمة.