الذكرى ٧٧ لتأسيس”البعث”، شارتين للنصر، لا شارة ٍواحدة . نبيل الزعبي
الذكرى ٧٧ لتأسيس”البعث”، شارتين للنصر، لا شارة ٍواحدة .
نبيل الزعبي
تحلُّ علينا هذا العام الذكرى السابعة والسبعون لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي ، الحزب الذي ابتدأ (فكرةً) تحمل في طياتها “فطرة” الامة والحنين إلى استعادة ماضيها ومجدها الغابر ولم تكن البتّة لتنحو إلى أية عنصرية ٍ او تعصُّبٍ قومي ما،كما كان يحلو لاعداء الحزب ان يرموه بشتى ألوان الزيف المنافي للحقيقة الساطعة التي ترنو إلى رؤية امة العرب في مقدمة الامم الأخرى التي وحدّت فيما بين ابناء جلدتها وكان ذلك ممنوعاً على العرب وغير ممنوعٍ على غيرهم من القوميات كالفرنسيين والإنكليز والبريطانيين والأسبان والروس والألمان وغيرهم مثلاً ، كي يتكوّنوا في دولة تجمع شتاتهم وقوية بوحدة ابنائها فيحسب لها الصديق والعدو الف حساب وحساب ،
وقد تلمّست القارة الأوروبية المتعددة القوميات واللغات والأديان والمصالح المتباعدة والحروب البينية اهمية الوحدة لتتموضع ضمن اتحاد أوروبي واحد ، شأنها شأن الولايات المتحدة الاميركية ، في حين يمنع الطرفان وربيبتهم ” إسرائيل ” عن العرب توحيدهم ليتركوهم منذ اتفاق سايكس – بيكو يوغلون في التفرقة والتشرذم والحدود المصطنعة .
وفي الوقت الذي وجدت فيه جماهير العروبة ضالّتها في هذا الحزب الوليد الذي جمع ولأول مرة في تاريخ تأسيس الحركات القومية ما بين الايمان بالرسالة الخالدة للامة والالتزام بالاشتراكية منهجاً اجتماعياً واقتصادياً لها مقترناً بالحرية وتجلّياتها الديموقراطية المعبّرة عن حق المواطنين العرب في بناء المجتمع العربي الديموقراطي الاشتراكي الموحد ، كانت الأممية الدينية والأخرى غير الدينية بالمرصاد لهذا الفكر الثوري المتجدّد الذي اثبتت التجارب السياسية للطرفين ، سيّما بعد تفكُك الاتحاد السوفياتي وانسداد الافق القومي امام التيارات الدينية ، انه البديل الفكري السياسي والنظري لخلاص العرب بعيداً عن الترّهات التي يجري إلصاقها بالعروبة وإنسانيتها واحترامها للقوميات الأخرى ، وبمعزلٍ ايضاً عن تجارب الأنظمة العربية التي تبنت الفكر القومي العربي ، وفي مقدمها “البعث” والناصرية ، وما حملته سنوات حكمها من سلبٍ وإيجاب يبقى مراجعتها ونقدها مسؤولية العروبيين والأجيال القادمة اليوم وغداً في ظل تنامي الفكرة والتوق اليها مهما حملت تشكيلاتها غداً من مسميات على ايدي ابنائها .
قد يُغبِط هذا الكلام البعض ويمتعض منه او يخالفه الآخر ويَسِمُه باللغة الخشبية ، غير ان الحقيقة الدامغة ان الفكر القومي التقدمي العربي الذي حمله ” البعث” لسبعٍ وسبعين عاماً وما زال يمثله اليوم من خلال قيادةٍ قومية ، تشكل بتركيبتها نواة هذه الامة الموحدة بتكوينها العربي القائم على وحدة الأقطار حيث لا عجب ان تضم خيرة مناضلي الامة في مكوّنها التنظيمي الممثل للعرب ، كل العرب في الداخل والمهاجر ، وان تنتقل امانة المسؤولية الاولى فيها ، من ” السوري” ميشال عفلق ، إلى “الأردني”منيف الرزاز ، إلى “العراقيين” صدام حسين وعزة الدوري ، انتهاءً ب” السوداني” علي الريح السنهوري وتجمع في اعضاء القيادة ما بين الجزائري والفلسطيني واللبناني والأردني والعراقي والخليجي واليمني والتونسي والمصري وغيرهم في لوحةٍ نضالية متكاملة ، فيها من معاني الانتماء للامة بقدر الحب الكبير للعروبة التي قال فيها مؤسس البعث الاستاذ ميشال عفلق ان ” القومية حب قبل كل شيئ ” ، ومن لا يحب عروبته لا يعود بمقدوره حتماً ان يحب ، حتى نفسه وأقرب الناس اليه في أضعف الايمان .
انه وفي الذكرى السابعة والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي ، يحق لكل بعثي وبعثية الاعتداد بحزبهم الذي حمل راية الامة طوال تلك السنين دون وهنٍ وتعبٍ او شعور بخوار العزيمة ، وقد نال هذا الحزب من التآمر والتشوية الخارجي ما لم ينل اية قوة على ارض المعمورة ، بدءاً من ضربه من الداخل بغية تشتيته إلى “مكوّنات” كرتونية لا تحمل صفة ” البعث” الا في الاسم ، وإنتهاءً بالتخلُّص منه في حكم العراق بعد تجربة خمس وثلاثين عاماً أقلقت الغرب المتأمرك والمتصهين الذي حشد ما لم يُحشَد في حربين عالميتين معاً لغزو واحتلال العراق واغتيال قادته ورئيسه الشرعي الامين العام للحزب الشهيد صدام حسين ومع ذلك لم يكن بمقدورهم وئد جذوة هذا”البعث”العظيم حتى اليوم ، ، ليبقى الحزب عنواناً للتضحيات ورمزاً للشهادة التي روت بدماء مناضليه شجرة مبادئه وتجذّرها في ضمير الامة إلى الأبد ، وهي تدافع عن حقها في الوجود والتموضع في دولةٍ عربيةٍ واحدة جامعة ، مفتوحة الحدود لابنائها دون تمييز بين عربي وآخر والكل في المواطنة سواء .
وكما انفجر الحنين لفلسطين المواكب للزخم العربي الجارف المؤيد لقضيتها مع طوفان الأقصى بعد ثلاثة ارباع القرن من العذاب والمعاناة ، يزداد الامل ويتفاقم مع توق الجماهير العربية إلى الوحدة واستعادة الارادة المُوَحَّدَة والمُوَحِّدَة للإرادة العربية كي يستفيق المارد العربي بعد طول ثبات وما عاد ذلك بالمستحيل وها هو الخطاب العربي الذي تربت عليه الاجيال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، يعود اليوم اقوى وافعل على لسان ٍ عربيٍ واحد من أقصى المغرب العربي في موريتانيا إلى بلاد الرافدين في العراق الجريح مروراً بالجزيرة العربية وبلاد الشام والنيل العظيم، ما ينبئ ان”الفكرة”لم تزل على وهجها ، وان “البعث” في ذكرى تأسيسه السابعة والسبعين يستحق ان تُرفَع له شارتين للنصر ، لا شارةٍ واحدة ، وليخسأ الخاسئون .