إقتصاددراسات وأبحاثمقالات

أوروبا والتحديات المُنتظرة نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندانافية وعضو الهيئة الإدارية في منظمة المغتربين العرب في السويد

أوروبا
والتحديات المُنتظرة

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندانافية
وعضو الهيئة الإدارية في منظمة المغتربين العرب في السويد
21/7/2024
إن مرحلة الرفاهية والتقدم والرخاء التي عاشتها أوروبا لعقود مضت، بدأت تتراجع في ظل متغيّرات جيو-سياسية على المستوين الإقليمي والدولي، وفي ظل تداعيات ركود اقتصادي منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، و الأزمات الداخلية التي أفرزتها اجراءات كوفيد-19، وأزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، والهجرة التي سجلت أرقاما” قياسية في العقود الأخيرة، والتراجع الحاد في الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم، وصعود اليمين المتطرف، وأزمة التغيير المناخي، واندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية التي استنزفت اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مواقف الدول الأوروبية المتباينة من بعض القضايا الدولية المشتعلة بنيران الحروب والنزاعات، وأهمها قضية الصراع العربي- الإسرائيلي وخاصة بعد عملية طوفان الأقصى وتداعياتها الإقليمية والدولية.
مجمل هذه الأزمات جعلت أوروبا تتخبط ليس فقط مع وجود تباينات في مواقف دول الإتحاد الأوروبي بخصوص هذه الأزمات، بل في العجز بإيجاد آليات حل لهذه الأزمات. وعليه فإن الإتحاد الأوروبي الذي تشكل عام 1993، كقوة سياسية واقتصادية عالمية وأسهم في نهضة أوروبا وولوجها بشكل واسع مجالات التنمية والازدهار ، يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة من الممكن أن تهدد استمراريته إن لم يتدارك أعضاؤه من إيجاد خطط إنقاذ وإصلاح تضمن استمراريته وقوته، وأهم هذه التحديات :
1.الحرب الروسية – الأوكرانية : هذه الحرب التي اندلعت في 24 شباط/فبراير 2022، والتي أشعلت نيرانها الولايات المتحدة الأميركية من خلال حث أوكرانيا بالإنضمام إلى حلف الشمال الأطلسي (الناتو) لضرب طوق ومحاصرة روسيا، حمّلت دول الإتحاد الأوروبي أوزارا” اقتصادية ومالية عالية، بدءا” من توقف مصادر الطاقة، إلى توقف نشاط الشركات الأوروبية الكبرى مع روسيا، إضافة إلى هجرة الأوكرانيين إلى دول الجوار الأوروبي التي تعاني سلفا” من تبعات الهجرة، مع القلق الكبير من توسع مساحة الحرب، خاصة بعد انضمام بعض الدول التي تشكل عمق جغرافي لروسيا مثل السويد وفنلندا إلى حلف الناتو بتشجيع وتحفيز من الولايات المتحدة الأميركية، والذي تعتبره روسيا تهديدا مباشرا” لها، والذي من الممكن أن يكون له تداعيات خطيرة مستقبلا”.
2.الهجرة : سجلت أعداد المهاجرين واللاجئين أرقاما عالية في العقود الثلاث الأخيرة، حيث استقطبت أوروبا 12.4 مليون لاجىئ في نهاية عام 2022، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مما أثار خلافات في داخل الإتحاد لجهة كيفية التعامل مع هذه القضية، التي يعتبرها جناح اليمين المتطرف أنها سبب في أزمات سياسية واجتماعية عِدا عن الأعباء الإقتصادية، كما وفاقمت الحرب الأوكرانية من هذه الأزمة بعد نزوح الأوكرانيين إلى دول االجوار الآمنة.
يُشار إلى أن بعض دول الإتحاد الأوروبي قامت وكإجراء إحترازي للحدّ من الهجرة الوافدة، بفكرة بناء سياج على حدودها لمنع تدفق اللاجئين، حيث طلبت 12 من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي -بينها النمسا واليونان وبولندا والمجر- من المفوضية الأوروبية تمويل بناء حواجز على حدودها لمنع دخول المهاجرين. وقد وقّع وزراء داخلية كل من النمسا وبلغاريا وقبرص والتشيك والدانمارك وإستونيا واليونان والمجر وليتوانيا ولاتفيا وبولندا وسلوفاكيا رسالة بهذا الشأن، وأرسلوها إلى المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، التي ردت بدورها على الرسالة المشتركة، بأن البلدان لها الحق في بناء أسوار على حدودها، لكنها لفتت إلى أنه “كان يُفترض التركيز على المقترحات المتعلقة بميثاق الهجرة واللجوء، وهي خطة إصلاح اقترحتها المفوضية”، وهذا الموضوع أثار انقساما” بين الدول الأعضاء. وقد جاء في الرسالة إن “حاجزا ماديا يبدو إجراء فعالا لحماية الحدود ويخدم مصالح الاتحاد الأوروبي بأسره وليس فقط الدول الأعضاء الواقعة على الخط الأول”، مع إن مراقبة الحدود لا تمنع محاولات العبور بشكل غير قانوني. هذا وتدعو الدول الموقعة على الرسالة إلى “رد قوي لمواجهة استغلال الهجرة غير النظامية والتهديدات المتنوعة”، في حين تعدّ المفوضية الأوروبية تعديلا” لقانون حدود “شينغن،” وهي منطقة التنقل الحر التي تضم 22 من دول الاتحاد الأوروبي وآيسلندا وليشتنشتاين والنرويج وسويسرا.
3- صعود اليمين المتطرف :يشكل وصول اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية مثل (إيطاليا، هولندا، السويد، المانيا) لسدة الحكم في إعادة صياغة المعادلة الأوروبية وما تفرضه من توازنات جديدة لا سيما في الأحداث التي تشهدها الساحة العالمية، إن كان على صعيد الداخل الأوروبي أو خارجه. فعلى الصعيد الداخلي، تسعى هذه الأحزاب إلى انتهاج بعض السياسات الإجتماعية والإقتصادية الكفيلة بتحسين الحياة المعيشية للمواطن، مستغلة تراجع أحزاب الأحزاب التقليدية، بحيث تتحيز هذه الجماعات لصالح المواطن الأوروبي على حساب اللاجىء، خوفا” على هويتها، لذا تصاعدت لغة الكره والحقد على كل ماهو أجنبي وتحديدا” (العربي المسلم). ولكن في المقابل، حالتان جاءتا مغايرتين، فنتائج الإنتخابات التشريعية في فرنسا وبريطانيا التي جرت مطلع الشهر الحالي جاءت مخيبة لليمين المتطرف، ففي فرنسا، حلّ تجمع اليسار في المركز الأول، بينما حلّ إئتلاف اليمين في المركز الثالث، وفي بريطانيا، فاز حزب العمال بشكل كاسح على حزب المحافظين بعد 15 عاما على حكم الأخير، هذا يدلُ على إن المزاج الشعبي غالبا” لا يتقبل طروحات اليمين المتطرف التي تتناقض مع مبادىء الحريات والديمقراطية وسياسة الإنفتاح وحقوق الإنسان المعتمدة في القوانين والدساتير الأوروبية.
أما على الصعيد الخارجي، فوصول أحزاب اليمين المتطرف إلى البرلمان الأوروبي، سيدفعها إلى تشكيل كتل وائتلافات من شأنها السيطرة على الإتحاد وسياساته القادمة، تجاه العديد من القضايا، من بينها الصراع الروسي-الأوكراني، مع توجه ائتلاف اليمين إلى الحد من الدعم اللامتناهي لأوكرانيا الذي أنهك واستنزف اقتصاديات بعض دول الإتحاد، بالإضافة إلى الصراع االعربي-الإسرائيلي الذي مازال موضع جدل بين هذه الأحزاب، وما شهدناه مؤخرا” من مواقف متباينة من أحداث غزة، هو خير دليل على ذلك. وما إعادة انتخاب أورسولا فود دير لاين -ذات التوجه الصهيوني- لولاية ثانية على رأس المفوضية الأوروبية، التي فازت بأغلبية 401 صوتا” مقابل 284 صوتا” معارضا” في اقتراع سري في المجلس المؤلف من 720 عضوا”، إلا نتيجة لتصويت أغلبية أحزاب اليمين في المجلس.
3.الأزمات الإقتصادية : بالرغم من أن إقتصاد الإتحاد الأوروبي هو من أكبر اقتصادات العالم، بحيث يتكون من الإقتصاد المشترك للبلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي ( 27 بلدا)، إلا أنه يُنتظر أن يواجه تحديات اقتصادية كبيرة في المستقبل القادم، فشركات الإتحاد الأوروبي ما زالت تعاني من تداعيات الركود الإقتصادي الذي نجم عن الأزمة المالية العالمية في عام 2008، لتليه تداعيات وباء كوفيد-19، لتبلغ ذروتها بأزمة الطاقة جراء الحرب الروسية-الأوكرانية، التي أدت إلى أرتفاع قياسي في أسعار الطاقة.
كما إن القطاع المالي لمنطقة اليورو يقع تحت وطاة ضغوطات أولويات الإنفاق خاصة الإنفاق العسكري، بما في ذلك القطاع الدفاعي، وتحديث قطاع صناعة الأسلحة، في ظل توقعات أن تواجه دول الإتحاد الأوروبي تحديات أمنية وعسكرية محتملة في المستقبل. يُضاف إلى ذلك تحديات التغيّر المناخي، حيث ستحتاج أوروبا لإستثمار حوالي 800 مليار يورو لتحقيق أهدافها المناخية بحلول 2030، كما ينبغي توفير مبلغ إجمالي مقداره 2.5 تريليون يورو بحلول 2050 لإكمال عملية تحول الطاقة الخضراء لبلوغ الهدف بانخفاض الإنبعاث الحراري درجة الصفر بحلول عام 2050، وذلك عبر ضخ استثمارات في شبكات الكهرباء وتخزين الطاقة، فضلا” عن إنشاء مرافق لإحتجاز الكربون، بحسب تقرير صدر عن المائدة المستديرة للصناعة الأوروبية.
هذا وقد بلغت استثمارات منطقة اليورو في شبكات الكهرباء خلال الفترة بين 2010 و2018 نحو 32 مليار يورو، وفي حال استمرار عمليات التمويل بذات الوتيرة حتى حلول العام 2050، ستبرز فجوة تمويل تُقدر
بـ 60% من جملة المبلغ المطلوب حسب فاينانشيال تايمز. مع تأكيد الهيئات الفاعلة في قطاع الطاقة، على أن القطاع الخاص ليس بمقدوره تحمل مثل هذه الإستثمارات من دون الدعم الحكومي لها.
4.توسيع الإتحاد الأوروبي : في عام 1993 وخلال انعقاد المجلس الأوروبي في كوبنهاغن، تمت الموافقة على انضمام دول أوروبية وسطى وشرقية للإتحاد الأوروبي، على أن تتقيّد الدول الراغبة بالإنضمام بشروط معاهدات الإتحاد الأوروبي التي تنص على التالي: ” على الدولة المرشحة للعضوية أن تتمتع بسياسة مستقلة تضمن سيادة الديمقراطية وسيادة القانون، وأن تحترم حقوق الإنسان، عدا عن وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على اقتصاد السوق، حيث يكون قادرا” على التعامل مع المنافسة ضمن الإتحاد الأوروبي”.
هذا وقد انضمت 10 دول، هي إستونيا وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا ولاتفيا وليتوانيا والمجر، كما انضمت إليه كل من قبرص ومالطا في السنة ذاتها، ولحقت بها كل من بلغاريا ورومانيا عام 2007. كانت كرواتيا آخر من انضم إلى الاتحاد الأوروبي في الأول من يوليو/تموز 2013، فيما كانت بريطانيا أول دولة تخرج منه في مطلع يناير/كانون الثاني 2021. وهناك مساع حثيثة لإنضمام أوكرانيا ومولدافيا في العام الحالي (2024)، وسيكون انضمام اوكرانيا التي تعاني من تبعات وآثار الحرب مرتبطا” بتكاليف هائلة، مما أشعر دول مجاورة لأوكرانيا مثل بولندا ودول البلطيق بالقلق من هذا الأمر، إذ يمكن أن يتحولوا من دول تتلقى المساعدات إلى دول يترتب عليها التزامات مالية ، كما ترغب بعض دول البلقان في الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، وبعضها موجود على قائمة الإنتظار منذ حوالي 20 عاما” ، منها الجبل الأسود والبانيا ومقدونيا الشمالية، وذلك من أجل التضييق أو احتواء النفوذ الروسي والصيني في دول البلقان. أما بالنسبة لصرييا وكوسوفو، فهناك عوائق تمنع انضمامهما إلى الإتحاد لما تشهدناه من صراعات عرقية.
يُشار إلى ان الإتحاد الأوروبي ساهم في تقليص الفجوات المالية والتجارية في هذه الدول من خلال عمليات الإستثمار فيها، بالإضافة إلى المساعدات التي استفادت منها هذه الدول، إلا أن دول الإتحاد تتخوّف من أن تستثمر دول أوروبا الوسطى والشرقية من الاتحاد الأوروبي فقط في الجانب الاقتصادي من خلال تحويل هذا الأخير إلى منطقة للتبادل التجاري الحر ،في حين تبقى معتمدة اعتمادا” كليا” في سياستها الأمنية والدفاعية الأوروبية والدولية على منظمة حلف الناتو والقوة العسكرية الأمريكية، وهو أكبر تحدي مازال يواجه الإتحاد الأوروبي.
إن عملية التوسيع في بعدها الإقتصادي، ممكن أن تثير إمكانية إدماج مجموعة من الدول داخل المجال الإقتصادي للإتحاد الأوروبي ، وينطبق هذا الأمر على تركيا (العضو في حلف الناتو) التي ترغب بالإنضمام إلى الإتحاد بدفع من الولايات الأميركية بحكم أن تركيا حليف استراتيجي “لإسرائيل” الذي قد يفتح المجال للأخيرة بطلب عضوية الإتحاد. هذا الأمر شكل تحديا” آخر خاصة للدول الفاعلة في الإتحاد مثل المانيا وفرنسا، حيث أن لهذه الدول نقاط خلاف عديدة مع تركيا على سبيل المثال، القضية القبرصية، والقضية الكردية والمجازر الأرمنية وأمور أخرى مرتبطة بحقوق الإنسان، عدا عن الإختلاف الديني بين دول أوروبية تدين بالمسيحية، بينما تركيا ذات أغلبية مسلمة التي يمكن أن يكون لها تأثيرا” على سياسة الإتحاد المستقبلية.
هل كان لخروج بريطانيا انعكاسات على الإتحاد الأوروبي؟
حسب الدراسة التي نشرتها مجلة العلاقات الدولية تحت عنوان ” تحديات الأمن الأوروبي المشترك”، أن خروج بريطانيا من الاتحاد لم يكن له كبير الأثر، لأن بريطانيا وبرغم أنها كانت دولة كبرى في الإتحاد، إلا أنها لم تكن ذات فعالية كبيرة بالنظر إلى توجهاتها الأطلسية، ( رغم أنها ضمن المنظومة الأوروبية) ولكنها أقرب إلى المصالح الأميركية منها إلى المصالح الأوروبية. كما ان بريطانيا لم تكن أحد المؤسسين الستة لجماعة الفحم عام 1951، ولا السوق الأوروبية المشتركة عام 1957، بل انضمت إلى السوق عام 1973، ولم تكن جزءا” من العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، ولا حتى عضوا” في نظام “شينغن”. هذا وقد حاولت ألمانيا وفرنسا تعويض خروج بريطانيا كونهما الدولتان الأقوى في الاتحاد الأوروبي.
6-الفشل في بناء قوة أمنية/عسكرية أوروبية مستقلة
إن اندلاع الحرب الأوكرانية-الروسية أيقظ أوروبا على حقيقة صادمة مفادها النقائص الكثيرة في استراتيجية دفاعها المشترك، وارتهان الإتحاد في دفاعه لحلف الشمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة. وهو ما اعترف به مفوض الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل مطلع عام 2023، قائلاً إن “الحرب الأوكرانية كانت بمثابة جرس إنذار لنا جميعاً بشأن قدراتنا العسكرية”. هذا الوضع الذي تسعى أوروبا لتداركه، عبر بوصلتها الإستراتيجية الجديدة التي كشفت عنها المفوضية الأوروبية شهر مارس2023 ، والتي تشمل تشكيل قوة عسكرية أوروبية مشتركة من 5000 جندي سريعة الانتشار وقادرة على التعامل مع عمليات متعددة في بيئات مختلفة. مع العلم إن فكرة بناء جيش أوروبي موحد طُرحت منذ عام 1952، لكن البرلمان الفرنسي لم يصادق على الفكرة، وعليه صٌرف النظر عن الموضوع، وتم الإعتماد الدفاعي على حلف الناتو. اليوم يُعاد طرح الفكرة بجدية أكبر في ظل المتغيرات على الساحة الدولية ، وأمن أوروبا ( الاقتصادي والعسكري) على المحك. هذا يعتمد بطبيعة الحال على إتفاق دول الإتحاد حول هذا الأمر، ولكن الأهم من ذلك، هو قدرة دول الإتحاد على تنظيم علاقة متوازنة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بحيث أن العلاقة القائمة بين الإتحاد الأوروبي وحلف (الناتو)، تثير العديد من المسائل المرتبطة باستمرار االهيمنة الأميركية داخل الحلف وخارجه، واالتي تشكل هاجسا” يُقلق الأوروبيين، الذين يسعون للحد من هذه الهيمنة وجعلها أكثر توازنا”، ولا سيما وان الإتحاد الأوروبي قد تبنّى سياسة أوروبية مستقلة للأمن والدفاع، ويسعى إلى تجسيدها في سياق العلاقة مع حلف الشمال الأطلسي ودعمها بمؤسسة خاصة بالحوار ما بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وذلك حفاظا” على الهوية الأوروبية.
هذا وتسعى فرنسا، باعتبارها من الدول الفاعلة في حلف الناتو وبالتنسيق مع المانيا إلى اعتماد محاولة إعادة التوازن على مستوى الحلف، وذلك بإشراك الطرفين الرئيسيين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من خلال السياسة الأوروبية للامن والدفاع، اللذين يتكاملان فيما بينهما. هذا التعاون هو ضرورة فرضته ما يُسمى بـ “ظاهرة الإرهاب الدولي”.
وعليه، فإن استمرار حلف الناتو ككتلة عسكرية تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية، سيُجهض أي مسعى أو مبادرات أمنية وعسكرية أوروبية مستقلة، لأن أميركا لن تسمح أو تقبل في أن يكون الإتحاد الأوروبي قطبا” أمنيا” وعسكريا” مستقلا”، لأنها تعتبر هذا الأمر يهدد بشكل مباشر مصالحها في أوروبا والعالم. فالولايات المتحدة الأميركية بحاجة للإتحاد الأوروبي بما يخدم مصالحها وتوجهاتها ، وليس قوة منافسة لها.
التدابير الأوروبية المنتظرة
في مطلع العام الحالي، نشرت المفوضية الأوروبية حزمة من تدابير الأمن الإقتصادي، تضمنت فحص الإستثمارت الواردة والصادرة بشكل أفضل، وزيادة التمويل في البحوث التكنولوجية ذات الاستخدام المزدوج. كما تقدمت المفوضية الأوروبية باقترحات أساسية بشأن تلك التدابير، وحسب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ، فإن ضوابط الإستثمار والتصدير لن يكون كافيا”، وسوف تتدهور حظوظ الأمن الإقتصادي في أوروبا إذا لم ترتبط هذه التدابير باستراتيجية مالية تعمل على تعزيز القدرات التكنولوجية والصناعية لدول الإتحاد بشكل خاص وللقارة بشكل عام.
وفي هذا السياق، دعت أورسولا فون دير لاين التي أعيد انتخابها الخميس في 18 تموز/يوليو2024 لولاية ثانية على رأس المفوضية الأوروبية إلى “أوروبا قوية” خلال “فترة تتسم بقلق كبير وعدم يقين”، مؤكدة ” لن أسمح بتاتا” بأن يسود الاستقطاب الشديد في مجتمعاتنا، ولن أقبل بتاتا” بأن يدمر المتطرفون أسلوب حياتنا الأوروبي”. وقدمت نفسها على أنها “ضامنة للإستقرار في وجه التوترات الجيو-سياسية من الحرب في كل من أوكرانيا وقطاع غزة، إلى الخلافات التجارية مع الصين، وعودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض”.
ووضغت فون دير لاين في أعلى سلم أولياتها تعزيز المنافسة والاستثمارات في الصناعات المهمة والدفاع، وحددت هدفا” مناخيا” يتمثل بخفض صافي انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 90%. كما وعدت بخطة “صناعات نظيفة” لخفض فاتورة الطاقة وخطة مساكن ميسورة الكلفة للأسر المتواضعة الحال، مع تعيين مفوض يهتم بهذه المسألة للمرة الأولى.
في المحصلة، إن قادة الإتحاد الأوروبي الحاليين قد أظهروا عجزا” ورداءة” في الإداء والخطط الإستباقية واتخاذ القرارات بشأن الأزمات التي ذُكرت أعلاه. وبالرغم أنهم حققوا نجاحات في مواضيع عديدة، ولكنهم في المقابل فشلوا في مواضيع أخرى متعددة، فقد فشلوا في بلورة سياسة دفاعية وأمنية مشتركة مستقلة، كما فشلوا في التكيّف مع سياسة التوسع المعتمدة منذ عام 2004، حيث بات هذا التوسع يشكل عبئا” على الإتحاد، عدا عن الفشل في معالجة تداعيات أزمة كوفيد -19 ، كما أن حالة الإنقسام في المواقف اصبحت أكثر حضورا” بين الأعضاء حول العديد من القضايا المطروحة أوروبيا” ودوليا”، منها القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني، إضافة إلى أزمات ليبيا وسوريا ولبنان واليمن والسودان وغيرها من القضايا. لذا أصبح من الضروري إعادة النظر في سياسة الإتحاد الأوروبي في مجمل القضايا (داخليا” وخارجيا”) من خلال وضع خطط واستراتيجيات مستقبلية لتجنب الوصول به إلى مخاطر أمنية واقتصادية توصله إلى التفكك.
فهل ستنجح رئاسة الإتحاد الأوروبي ودوله في تغيير سياساته واستراتيجياته لضمان ديمومته واستمراريته كقطب قوي مستقل وفاعل على الساحة الدولية؟ أم سيستمر في ذات الأداء وتحت المظلة الأميركية؟ وكيف سيتعامل دول الإتحاد في حال فاز ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأميركية الذي يهدد بوقف تمويل الدول الأعضاء في حلف الناتو؟ هذا ما سيُبان في قادم الأيام.
1.https://irajournal.academy/2023/08/07/european-security/
تحدياتومعوقات الأمن الأوروبي المشترك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى