مقالات

رصيف غزة المؤقت: وقائع جديدة وأهداف قادمة د. علي بيان

رصيف غزة المؤقت: وقائع جديدة وأهداف قادمة
د. علي بيان
من يتابع تصريحات الرئيس الأميركي ووزير خارجيته وعدد من أركان إدارته يخال أن تحولاً جوهرياً جديداً قد حدث في نهج الإدارة الأميركية لجهة الأبعاد الإنسانية ذات العلاقة بتأمين المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، علماً أن الولايات المتحدة الأميركية استعملت النقض (الفيتو) ثلاث مرات في مجلس الأمن لمنع إصدار قرار بوقف إطلاق النار، ووضع حد للعدوان على غزة، والجرائم التي تُرتكب، والتي وصفها حقوقيون كثر بأنها ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولم تمارس الولايات المتحدة أية ضغوط على الكيان الصهيوني لتسهيل إدخال المساعدات عبر المعابر البرية حاصةً معبر رفح حيث تقف مئات الشاحنات على الجانب المصري وتُمنع من الدخول إلى القطاع، والإستعاضة الجزئية عن ذلك برمي بعض المساعدات معظمها من طبيعة “الوجبات السريعة” عبر الجو؛ بعضها سقط في البحر والبعض الآخر على رؤوس أهالي غزة ما أدى إلى قتل وإصابة عدد منهم أثناء انتظارهم سقوط المناطيد.
جاءت تلك التصريحات من قبل أركان الإدارة الأميركية تزامناً مع المباشرة بتنفيذ مشروع إنشاء ميناء أو رصيف بحري عائم على شاطئ غزة، وممر بحري لنقل المساعدات الإنسانية من ميناء لارنكا القبرصي إلى الرصيف العائم ومنه إلى البر، وخضوع شحنات المساعدات إلى فحوص أمنية في قبرص بواسطة فريق يضم في صفوفه مسؤولين إسرائيليين. جاء ذلك بعد إعلان مشترك صدر عن مسؤولين عن ألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وتصريح لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، شديدة التاييد للكيان الصهيوني، وإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن إنشاء الممر والرصيف المذكورين.

قبل عملية “طوفان الأقصى” كانت احتياجات القطاع تُؤمَن من خلال شاحنات تمر عبر المعابر بين غلاف غزة وداخلها، وعبر معبر رفح بين مصر وغزة، ورغم الحصار والتضييق لم تكن آنذاك مشكلة في تامين الإحتياجات، مما يشير إلى أن الإدارة الأميركية تعمل على تكريس وقائع جديدة على الأرض أبرزها السيطرة والتحكم بشؤون القطاع بالتعاون مع الكيان الصهيوني الذي رحب بإنشاء الممر والرصيف، ورفض أن تكون غزة بعد الحرب تحت إدارة فلسطينية إعتبارية استناداً إلى ترديد “لا فتحستان ولا حماستان”، والتهجم على السلطة الفلسطينية، وتهميش الدور المصري الذي ظهر عاجزاً عن إدخال المساعدات عبر معبر رفح دون موافقة أميركا والكيان الصهيوني علماً أنه من المفتَرَض أن يكون خاضعاً كلياً للسيطرة المصرية ـ الفلسطينية. أما الأهداف المتوقعة استناداً إلى مسارات المشروع الإستعماري الصهيوني في فلسطين والمنطقة، ونمطية السياسة الأميركية البرغماتية فيمكن إيجازها بالتالي:

1ـ بالمقارنة مع الخطط الأميركية للسيطرة على النفط والغاز والإجراءات التنفيذية التي تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقها في العراق بعد الحرب في 2003، وانفصال جنوب السودان وإبقاء منطقة أبيي الغنية بالنفط بين الجنوب والشمال في حالة هلامية غير محددة بين الجنوب والشمال، والتموضع في شرق سوريا حيث توجد معظم حقول النفط، وتوقف الحرب في ليبيا على مشارف سرت الهامة بما يتعلق بقربها من منابع النفط وموانئ التصدير الليبي، وتوقف الحرب نسبياً في اليمن عندما أصبحت خطوط التماس بين قوات الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية في محافظة أبين الغنية بالنفط يمكن الإستنتاج بأن سعي الولايات المتحدة لإنشاء رصيف بحري بحجة إمداد المساعدات الإنسانية لسكان القطاع يهدف إلى السيطرة على حقلي غاز غزة، والمتابعة والتحكم بمشروع إنشاء خط الأنابيب البحري بين قبرص وأوروبا لنقل غاز المتوسط باختيار ميناء لارنكا القبرصي مركزاً لوجستياً للممر البحري المخصص لنقل المساعدات، رغم أن المسافة بين شواطئ قبرص وغزة تتجاوز 370 كم.
2ـ رغم إعلان الولايات المتحدة أنها لا تنوي ان يكون لها تواجد عسكري دائم مرتبط بإنشاء الرصيف فإن استمرار المشروع الإستعماري ـ الصهيوني الذي تتجاوز مدياته السيطرة على فلسطين، يظهر أن ما تطرحه أميركا بهذا الصدد ليس إلا للتمويه وذر الرماد في العيون، وان المخطط الأميركي بالتواجد العسكري على شاطئ غزة هو هدف حقيقي لتامين السيطرة على منابع وخطوط نقل غاز المتوسط، والتمهيد لإستهداف مصر إقتصادياً وإرهاقها بالديون وتهميش دور قناة السويس من خلال إنشاء قناة “بن غوريون” بين البحر الأحمر والبحرالمتوسط تمهيداً لعمليات تخريب في الوضع المصري الداخلي تماثلاً مع ما حدث في عدة أقطلر عربية آخرها السودان، وإنحاز الممر البري ـ البحري من الهند مروراً بالخليج ووصولاً إلى موانئ فلسطين المحتلة. ورغم العلاقة العضوية مع الكيان الصهيوني، والقوية مع مصر في مجالات التنسيق السياسي و الأمني والعسكري فإن ذلك لا يكفي أميركياً لأن اميركا تعرف أن العلاقات الرسمية مع الأنظمة خاضعة للتغير غير المحسوب، ولا تنطبق على الحالة الشعبية العربية الرافضة للهيمنة الأجنبية.
.
3ـ مشاركة الإمارات العربية المتحدة في مشروع إنشاء الرصيف يشير إلى أهداف أميركية ضمنية بالحد من الدور القطري المتعلق بالملف الفلسطيني، وتفعيل الدور الإماراتي رغم ما أُعلن عن مشاركة قطر إلى جانب الإمارات بتمويل إنشاء الرصيف، وتنفيذ آليات نقل المساعدات وتفريغها وتوزيعها في غزة، وإرسال رسالة إلى المملكة العربية السعودية بأن أميركا تستطيع أن تتعاون مع دول أخرى إذا لم تنهج مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني.
4ـ إن ربط إدخال المساعدات بالترويج لترتيب إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب، وطرح بدائل عن الكيانات الحالية سواء بطرح أسماء جديدة أو التعاون مع وجهاء في غزة يهدف إلى تعميق الخلافات بين الأطراف السياسية الفلسطينية الفاعلة وبين الكيانات الفلسطينية ، سلطةً أو فصائل، وتكريس وإظهار أن الصراع ينحصر في المسائل الإنسانية وذلك بهدف نزع صفة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني..
5ـ إن السعي الإستعماري ـ الصهيوني لترحيل الفلسطينيين خارج فلسطين لا يخفى على أحد ، وقد ورد في تقارير صحفية أن إنشاء الرصيف قرب شاطئ غزة والممر البحري بين قبرص وغزة يهدف إلى تهجير سكان غزة بحراً، وذُكر أن الوجهة هي إفريقيا. في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن عدداً من المسؤولين في الكيان الصهيوني صرحوا بأنهم يسعون إلى تهجير معظم فلسطينيي غزة إلى سيناء والإبقاء على حولي 150 ألفاً فقط لغايات العمل.

بصرف النظر عن صحة كل الأهداف أو بعضها فإن إصرار العدو على الإستمرار في عدوانه ليس فقط في غزة وإنما كذلك في الضفة الغربية والقدس، وتوسيع الإستيطان والإعتداءات في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، وعدم تسهيل الولايات المتحدة اتخاذ قرار ملزم بوقف إطلاق النار في غزة، واستمرارها بتزويد العدو الصهيوني بكل ما يحتاجه من أسلحة وذخائر وأموال، وعدم ممارسة الضغط لإدخال المساعدات عبر المعابر البرية ، وهي تفي بالغرض دون الحاجة إلى استعمال الجو أو الممر البحري، يؤكد أن للولايات المتحدة الأميركية بالتنسيق مع الكيان الصهيوني وبغطاء أوروبي وأممي، وتمويل عربي خاصةً إماراتي، أهدافاً مستقبلية خبيثة متعلقة بالمراحل اللاحقة من المشروع الصهيوني التوسعي، واستثمار غاز المتوسط ليس فقط حقول غزة، إنما كذلك في لبنان وسوريا ومصر وغيرها. وهنا يُطرح السؤال القديم ـ الجديد: متى يتم ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي لمواجهة التحديات المصيرية، ومتى تعي الأنظمة العربية أن الأخطار ليست منحصرةً بالقضية الفلسطينية، وحقوق الشعب العربي الفلسطيني فقط وإنما الوطن العربي كله وعلى مراحل، وبالتالي المباشرة بإحداث نقلة نوعية لإيجاد حلول وطنية للأزمات السياسية والدستورية والإقتصادية والمالية والأمنية في معظم الأقطار العربية، و التنسيق والتعاون البيني الفعال لإدارة المواجهة مع الخطط الإستعمارية الصهيونية ومتكآتها الإقليمية؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى