قيادة قطر لبنان

كلمة الطليعة : متى يحصل وعيُ ُنخَبٍ وقوى عربية لحقيقة الدور الايراني ؟

كلمة الطليعة :

متى يحصل وعيُ ُنخَبٍ وقوى عربية لحقيقة الدور الايراني ؟

مما لاخلاف حوله ، ان الدولة بما هي هيئة معنوية اعتبارية ، انما تشكل ارقى اشكال التنظيم والادارة للحياة العامة في الاجتماع السياسي. وهي وصلت الى ماوصلت اليه في العصر الحديث من تقدم بعد مسار طويل قطعته البشرية منذ انتقلت مجتمعاتها من “المشاعية” الى وضعها الراهن بعد مرورها باشكال مختلفة من التنظيم الاجتماعي الذي تعددت مسمياته حتى استقر على مسماه الحديث والمتعارف عليه باسم الدولة. وحتى يطلق توصيف الدولة على تشكيل مجتمعي معين ، يجب توفر ثلاثة عناصر ، ارض وشعب وسلطة او حكومة مركزية .
هذه العناصر الثلاثة التي تشكل اساساً، لقيام الدولة ، اثنان منها يندرجان ضمن الثوابت الاساسية ، وهما الارض والشعب ، واما الثالث والمقصود به السلطة فهو المتغير . والدول ليست على نمطية واحدة ، فمنها ماتحكمه قواعد “الحوكمة” ومنها ماينخره الفساد على اشكاله وتصل باوضاعها الى حال الفشل.
وعندما تصنف دولة ما ، بأنها دولة فاشلة ،فهذا يعني انها فقدت قدرتها على القيام بوظائفها الاساسية ، وهناك شبه اجماع على ان الدولة الفاشلة ، هي دولة معترف يها ككيان اعتباري على المستوى الدولي وان لم تفِ بالتزاماتها الدولية ، لكنها تعاني داخلياً ضعفاً وعجزاً في الوفاء بواجباتها تجاه مواطنيها ، كما فقدان احتكارها للحق المشروع في استخدام القوة على اراضيها وبسط سيادتها “الحصرية” على كامل التراب الوطني .
ومفهوم الدولة الفاشلة ، مفهوم اوسع من مفهوم “الدولة الضعيفة” التي تعاني صعوبات في توفير الحاجيات الاساسية لمواطنيها ، او مفهوم “الدولة المنهارة” ، التي يتعرض فيها النظام السياسي للانهيار ، ومفهوم “الدولة الهشة “التي تفتقد فيها السلطة بكل مؤسساتها القدرة على توفير ضرورات الامن الوطني والامن المجتمعي بكل مضامينه الحياتية والمعيشية. ولذلك فإن الدولة الفاشلة تجتمع فيها مواصفات الدولة الضعيفة والمنهارة والهشة.
واذا كانت دول عديدة تصنف في احدى خانات الدول المصنفة ضعيفة او منهارة او هشة ، الا ان دولاً عديدة تصنف بالدولة الفاشلة باعتبارها تستجمع مواصفات الضعف والانهيار والهشاشية. والملفت للنظر ان الدول العربية التي تصنف فاشلة تسجل رقماً عالياً بالقياس الى عدد الدول المنضوية في اطار جامعة الدول العربية. كما انه ملفت للنظر ايضاً ان الدول العربية المصنفة بالفاشلة تبوأت مراتب متدنية. فبحسب “مقياس السلام العالمي” “G PI” الذي يشمل ١٦٢دولة والصادر في حزيران ٢٠٢٢ ،يتبوأ اليمن المرتبة ١٦٢عالمياً و ١٨ عربياً ،وسوريا تبوأت المرتبة ١٦١ عالمياً و ١٧ عربياً والعراق يحل في المرتبة ١٥٧عالمياً ، و ١٦ عربياً ، والسودان في المرتبة ١٥٤ عالمياً و١٥ عربياً ، وليبيا حلت بالمرتبة ١٥١ عالمياً و١٤ عربياً ، اما لبنان فحل في المرتبة ١٣٨ عالمياً و ١٣ عربياً.
اما بحسب “مؤشر التنمية البشرية” الذي يصدره برنامج الامم المتحدة الانمائي ، وقد شمل ١٩١ وفق اخر تحديث له في عام ٢٠٢٢ ، حلت الصومال في المرتبة ١٨٣ عالمياً و٢١ عربياً من اصل ٢١ دولة عربية شملها التصنيف. وحل السودان في المرتبة ١٧٢ عالمياً و٢٠ عربياً ، وحلت سوريا في المرتبة ١٥٠ عالمياً و ١٦ عربياً ، وحل العراق فتبوأ المرتبة ١٢١ عالمياً و١٤ عربياً ، وحل لبنان في المرتبة ١١٢ عالمياً و ١٣ عربياً ،وليبيا حلت في المرتبة ١٠٤ عالمياً و١١ عربياً.
اما حسب “مؤشر الهشاشة ” فإن تقريره المنشور ٢٠٢٢ ، وتناول فيه واقع ١٢٠ دولة ، حل اليمن في المرتبة الاولى عالمياً ، والصومال ثانياً ، وسوريا ثالثاً ، والسودان سابعاً، وليبيا حلت في المرتبة ٢١ عالمياً ،والعراق ٢٣ عالمياً، ولبنان حل في المرتبة ٢٧.
من خلال الوقوف على تقارير هذه المؤشرات التي تحدد ماذا كانت الدول تندرج في اطار الدول الفاشلة ام لا ، ثمة ظاهرتان يجدر التوقف عندهما.
الاولى ، نسبة الدول العربية المصنفة فاشلة الى عدد الدول الاعضاء في الجامعة ، وهي نسبة تقارب ال٤٠٪؜ ، والثانية ، نسبة الدول العربية المصنفة فاشلة ، والتي لايران اليد الطولى في تخريب الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها، وهي نسبة تقارب ال ٦٠٪؜. وهي دول سوريا والعراق واليمن ولبنان. اما سائر الدول العربية التي وردت في جداول التصنيف ، اي ليبيا والسودان والصومال ، فعنصر التدخل الخارجي الاقليمي من جهة اولى والدولي من جهة ثانية هو من العوامل المؤثرة جداً في تدمير بنياتها الوطنية وحيث وجد هذا التدخل متكئاً داخلياً يرتبط بعلاقات مشبوهة مع القوى الخارجية وان كان بعضها ملتحفاً “بغطاء اسلامي” بيّنت سياقات الاحداث انه منتج دولي اقليمي ينفذ اجندة اهداف القوى التي يرتبط بها توجيهاً وتمويلاً.
مرد هذا الاستحضار لهذه المشهدية التي تخيم على الواقع العربي في ذروة احتدام الصراع العربي الصهيوني بعد عمليات “طوفان الاقصى” ، هو البروبغندا الاعلامية التي تستحضر الدور الايراني مباشرة ومداورة او عبر الادوات والقوى المرتبطة بمركز التحكم والتوجيه ، حول مركزية هذا الدور في الصراع مع العدو الصهيوني بكل شبكة علاقاته الدولية.
انه مما لاشك ، وفي ضوء معطى الواقع السائد حالياً ، ان النظام الايراني هو احد اللاعبين الاساسيين في مجرى الصراع ،والحديث كيف دخل الى هذه الحلبة ، فله سياقات اخرى لايتسع المجال للاطلالة عليها تفصيلاً ، وان كان المفتاح لهذا الدخول هو العراق بعد غزوه واحتلاله اميركياً وتمكين النظام الايراني من التغلغل بكل بمفاصل حياته العامة ، ومنه انطلق تغوله الى العمق العربي وخاصة الشق المشرقي منه.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة ، هل افرز هذا الدور نتائج ايجابية او سلبية على مجرى الصراع العربي الصهيوني ؟وانطلاقاً من كون هذه الصراع هو صراع قومي بامتياز باعتبار ان فلسطين وان طالها الاستهداف الاول ، فإنها لم تكن مستهدفة لذاتها ،وانما الامة العربية برمتها ؟
ان الاجابة على هذا التساؤل تكمن في الادراك العميق لطبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني . هل هو صراع على حدود ام صراع على وجود .؟
ان الامة العربية وضعته في خانة الصراع على الوجود ، والعدو الصهيوني بعد عملية “طوفان الاقصى” بات يعتبره صراعاً وجودياً ايضاً .
وعندما يتفق الطرفان الاساسيان المتصارعان على تحديد هوية هذا الصراع ومضمونه وابعاده ، فهذا يعني انه صراع شمولي ، يتناول جميع جوانب الحياة في البيئتين اللتين يدار على ارضيتهما. اي انه يتناول الجوانب العسكرية والسياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وعلية فإن كل الامة او الشعب يكون معنياً ومنخرطاً في اليآت هذا الصراع ، كل في موقعه وفي اطار من التكامل والتفاعل بين الوظائف الاساسية لمجموع الانشطة والفعاليات للمؤسسات والهيئات والقوى التي تناط بها ادارة الشأنيين العام والخاص.
وفي اطار صراع ينطوي على هذا البعد الشمولي ، فإنه لايستقيم الا اذا توفرت له ادارة شمولية ، وهذه لاتستطيعه الا الدولة ،باعتبارها الهيئة الاعتبارية العليا ، التي ينحصر فيها اتخاذ قرار السلم والحرب . فإن ربحت انعكس الامر ايجابياً على الكل الوطني ، وان خسرت يتحمل الكل الوطني عبء الخسارة. وانه بقدر ماتكون الدولة على درجة عالية من التحصن والتماسك الداخليين ، بقدر ماتكون الارضية التي تقف عليه في مواجهة العدو صلبة ، وقادرة على تلقي النتائج التي تفرزها مجريات الصراع.
اما اذا كانت الدولة ضعيفة وهشة ومنهارة ، وبمعنى اخر فاشلة ، فكيف لها القدرة على ادارة صراع بمستوى خطورة الصراع مع المشروع الصهيوني، الذي لايشغل الحيز العسكري الا زاوية صغيرة منه.؟
ان من يؤدي دورياً محورياً في تدمير العراق وسوريا واليمن ولبنان ، ويحول دولها ، دولاً فاشلة عاجزة عن توفير الحاجيات الاساسية لمواطنيها ، ولا تستطيع ان توفراً امنياً وطنياً ، وتشل يد القضاء او تعطله ، لايمكن ان تؤدي دورراً ايجابياً في الصراع مع العدو الصهيوني ، بل هذا الدور يمثل اعلى درجات السلبية، لانه افقد المقاومة الفلسطينية ظهيرها القومي خاصة ذاك الذي تمثله دول الطوق الاساسي حول فلسطين المحتلة.
ولهذا فان رفع منسوب الخطاب السياسي الايراني حول تقديم الدعم للثورة الفلسطينية ، يجهض مفعوله الخطاب السياسي حول الدور الايراني في دول الطوق العربي ، والتي لم يجد من يشغل مواقع اساسية في هرمية النظام حرجاً من التصريح بانهم باتوا يسيطرون على اربعة عواصم العربية ، وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
فمن يقدم نفسه محتلاً لاربع عواصم عربية ، هل يكون فعلاً مع تحرير فلسطين .؟
ان النظام الايراني الذي عمد الى الاستثمار السياسي في تغوله في العمق القومي بعد التسهيلات الاميركية التي قدمت له، يسعى للاستثمار السياسي في الحد الاعلى بالقضية الفلسطينية ،وما يقدمه لبعض فصائل المقاومة من مساعدات ، فهي ليست من اجل تمكين الثورة الفلسطينية تحرير الارض من الاحتلال الصهيوني ، بل لحفظ موقع له على طاولة الترتيبات السياسية للازمات البنيوية التي حولت العديد من الدول العربية الى دول فاشلة، ولحفظ موقع له على طاولة الترتبيات لتشكيل نظام اقليمي جديد يكون هو والكيان الصهيوني وتركيا واثيوبياً من بوابة الامن من اركانه وبرعاية اميركية. والامر نفسه ينطبق على توظيفه للقوى المرتبطة به كي يدخل من خلالها الى طاولة ترسيم حدود نفوذه وحصته في المنطقة اذا ماتعثر دخوله من البوابة الفلسطينية .
وكي لا يبقى الرأي العام واقعاً تحت تأثير البروبغندا الاعلامية للنظام الايراني والمروجين له ، نحيلهم الى تصريح القائم باعمال وزير خارجية ايران ،باقري ، بعد وفاة رئيسها ، ان خلافنا مع اميركا هو على حجم حصتنا في المنطقة. فهل هناك كلام اوضح من هذا الكلام عن علاقة النظام الايراني مع اميركا الحاضن والحامي للكيان الصهيوني ، وهي كانت وما زالت تلعب دور القيادة الاستراتيجية لتشكيل النظام الاقليمي الذي تسميه الشرق الاوسط الجديد ، واللتين في ذروة احتدام الحرب على غزة ، يديران مفاوضات تحت الطاولة حول ثلاثية الملف النووي والدور الاقليمي لايران والصواريخ البعيدة المدى . وكل شيء قابل للتفاوض لدى النظام الايراني ولو كان على حساب دم شعب فلسطين وقياداته كما الدم العربي في كل اقطاره . لان مايهم ايران بالدرجة الاولى هو دورها الاقليمي ، وهي تريد قبض اثمان دورها في تحويل طول الطوق المشرقي الى دول فاشلة وقد حولتها ، وهي تتربع على انقاضها . والعلاقة مع اميركا هي اقصر الطرق لذلك .
فهل يعي المُضَللون من امتنا العربية حقيقة هذا الموقف الايراني ؟
نأمل ذلك وان يحصل الوعي العربي على مستوى القوى والنخب ولو متأخراً فأفضل من أن لا يحصل ابداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى