حرب المصطلحات التفتيتية للهوية العربية والقضية الفلسطينية (الجزء الخامس ) التطبيع والتسوية .. والسلام المُسَلَّح يحيى محمد سيف – اليمن
المِنَصّة الَشبابيّة
انطلاقا من حقيقة أن الشباب هم صناع الحاضر العربي وجوهر قوته وحيويته وهم قادة مستقبله، فقد تم تأسيس هذه المنصة الشبابية لتكون باباً جديداً من أبواب النشر لمكتب الثقافة والإعلام القومي لتطل على الشباب العربي من خلال مناقشة شؤونه و طرح قضاياه الراهنة والتعبير عن تطلعاته المستقبلية. وهي مخصصة حصرياً لنشر كتابات الشباب وإبداعاتهم في المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية وذلك لتعميق مساهمتهم في الدفاع عن قضايا أمتنا العربية وصناعة مستقبلها. كذلك فإن المنصة تعني بمتابعة مايصدر من موضوعات ثقافية وإعلامية وفنية في وسائل الإعلام العربية ودول المهجر والتي لها علاقة بقضايا الشباب في الوطن العربي، وترجمة ونشر ما يخدم منها في مواجهة تحديات الأمة وتحقيق نهضتها الحضارية الشاملة .
حرب المصطلحات التفتيتية
للهوية العربية والقضية الفلسطينية
(الجزء الخامس )
التطبيع والتسوية .. والسلام المُسَلَّح
يحيى محمد سيف – اليمن
🔸التطبيع
التطبيع في حقيقته إشارة إلى لستمرارية سياسات شاذة متناقضة مع نفسها ومع بعضها بعضاً، وتصويرها وكأنها طبيعية وعقلانية، أو طرحها بأسلوب للاعتياد عليها – أو زعم استحالة إتباع سواها – وأن هذا الصنف من التطبيع ” يكاد يكون أخطر شأنا من دعوات ما يسمى زوراً وتضليلاً بالتطبيع – ويقصد به التعود على وجود كيان صهuيوني باطل وشاذ على الأرض العربية بل ومع قلب اسم تلك الأرض نفسها من وطن عربي إلى أرض شرق أوسطية” و(شمال أفريقية) و (متوسطية)، ثم تحويل العلاقات الإقليمية والدولية الطبيعة إلى أرضية مصطنعة جديدة، ونسف أسس الوجود العربي المشترك لصالح سلام موهوم مع كيان عدواني توسعي، ونسف المصلحة العربية المشتركة لصالح هيمنة أمريكا والكيان الصهuيوني (21) .
التطبيع لغوياً:
وإذا كان أساطين الإعلام العالمي يتلاعبون بالألفاظ والكلمات لتمرير مخططات الص ه اينة على شعبنا العرب فما هو المعنى اللغوي لهذا المصطلح البراق الذي حاولوا ترويجه للشعوب على أنه المفتاح السحري لكل الأزمات التي تعصف بالدول العربية ؟
فبالرجوع إلى قاموس المحيط فإن التطبيع تأتي بمعنى ” التنجيس ” وهو ما أكدته مجلة متابعات فلسطينية. (22)
🔸التسوية:
إن التسوية ” تعني” اتفاق بين طرفين لهما إمكانات وقدرات متوازية نسبياً، وإذا حصل تنازل من هذا الطرف لذلك، فإن المصالح المشتركة بينهما تبقى أهم منه.أما في حالة الصراع العربي الصهuيوني، الذي نعرفه بأنه صراع وجود، وليس صراع حدود، فإنه يقتضي إما بقاء هذا الطرف أو ذلك، ولذلك فإن الذي يجري الآن هو استسلام ورضوخ (23) .
وبالتالي فإن الاستمرار بهذه الحالة وأية نتائج تتمخض عنها سوف يضر بحركة الكفاح العربي التحرري، ويوقف النهضة القومية التحررية ،كما أن الشروط الصهuيونية التي أمليت على الطرف العربي أو الأطراف العربية، فيها قدر كبير من الإستهانة والتحقير مما ينسف الطابع العلمي لمصطلح التسوية نتيجة لغياب التكافؤ الذي تحتّمه (24).
ويمثل مصطلح ” التسوية ” عنواناً ومحتوى أكثر من معنى، فالإعلام الثوري يسميها تسوية بمعنى (التصفية) والإعلام الذي يتبنى هذا التوجه يدعوها: “مفاوضات السلام ” أو ” مباحثات السلام”.
والإعلام الغربي الناطق بالإنكليزية يطلق عليها حسب الرغبة أو الحاجة للمصطلحات الآتية مع التذكير باقتران بعضها بالصفة. وهي:
🔸 السلمية
وتستخدم :
أ-بدلالة ” الشاملة”
ب- بدلالة ” الحلول الوسط”
جـ- بدلالة ” دبلوماسية مجردة” (25).
وهي محاولة لغلق المستقبل أمام العرب، ومحاولة لتغيير السيطرة العسكرية للكيان الصهuيوني على العرب بسيطرة تكنولوجية مالية متداخل مع العرب، وهذا هو عنوان الصهuيونية الجديدة التي تبلورت في نهاية السبعينيات وأصبحت بديلاً للصهuيونية القديمة القائمة على الامتداد الجغرافي وأدائها العسكري (26).
🔸الأرض مقابل السلام
لابد من الإشارة أولاً إلى أن السلام هو من أبرز القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية السامية – التي تحدثت عنها كل الديانات السماوية، والنظريات السياسية .. وأكدت على أهمية الالتزام به، والتقدير لمضامينه الشاملة التي ينشدها كل أبناء الإنسانية .
ولكن كيف يفهم رجال السلطة الغربيون وبالأخص الأميريكيون هذا (المصطلح) ويتعاملون معه ؟ وتتمثل الإجابة هنا وكما تقول الباحثة الأمريكية سوزان كورير في جامعة هارفرد : بأنهم ينظرون إلى السلام على أنه مجرد فجوة بين الحروب، ولم يكن سوى مجرد رؤية رومانتيكية غير عملية (27) .
أن مصطلح (الأرض مقابل السلام) هو أحد المصطلحات الملتبسة المعنى التي ابتكرته الإدارة الأمريكية بعد حرب 1967م العدوانية وقدمته كمكافأة
للكيان الصهuيوني لاحتلاله الأرض المتبقية من فلسطين وغيرها من الأراضي العربية وفق آراء المحللين السياسيين.
🔸معنى المصطلح
ولمصطلح (الأرض مقابل السلام ) معنيين مزدوجين فإن المروجين له ربما يعنون أن يتنازل العرب عن أرضهم التي احتلها الكيان الصهuيوني كشرط أساس لأسباب الأمن بينهم وبينه وضمان عدم قيامه بالمزيد من التوسع والاحتلال والعدوان وأن القابلين به ريما يعنون أن هذا الكيان سوف ينسحب من الأراضي التي احتلها من العرب على الأقل عام 1967م مقابل قبولهم بهذا المبدأ.
كما يرى الرافضون لهذا المبدأ أن القبول به يعد نكبة أخرى على الأمة أشد وطأة من النكبة العسكرية وأن تفاعلات الأحداث ونتائجها أثبتت ذلك.
🔸 الأرض المحررة
إن مصطلح ” الأرض المحررة ” هو مصطلح صهuيوني يطلق على الأرض العربية المحتلة في فلسطين ؟!! أي أن الاغتصاب والاحتلال والاستيطان لأرض فلسطين العربية وإزهاق أرواح أهلها وتهديم منازلهم والطرد القسري للملايين من أبناء الشعب العربي الفلسطيني وراء تخوم أرض موطنهم، سرعان ما سُميَ (الأرض المحررة) ؟!!
🔸الاستيعاب
إن مصطلح الاستيعاب في مفهوم الصه اينة يعني معنى عكسياً تماماً لمدلوله اللفظي، حيث يودون من خلال الترويج له بحسب أحد المحللين (طرد العرب
من أكبر أجزاء ممكن من أرض فلسطين وإقامة المستوطنات اليهودية مكانها ) (28).
🔸السلام المُسلَّح والحرب الاختيارية
وفيه تسود رؤية صهuيونية أمنية لأبعاد السلام مع العرب مفادها أن حاجة الكيان الصهuيوني للسلام ترتبط بالخوف متعدد المصادر، وبضوء الهاجس الأمني توضع الترتيبات والمقترحات الأمنية التي يطرحها في المفاوضات والاتفاقيات مع الأقطار العربية المحيطة. ويجري اعتماد استراتيجية تهدف إلى مواصلة أوسع قدر من السيطرة العسكرية على محيطه، وهذا ما تعكسه بدقة المقولة الصهuيونية : إن السلام (الإسرائيلي) – العربي سيكون سلاماً مسلَّحاً. وفي هذا السياق تأتي رؤية الصهuيونية للترتيبات المتعلقة بشؤون المياه والسكان والحدود والعلاقات الاقتصادية . ولذا فإن نظرة أحادية الجانب وصيغاً لترتيبات غير متكافئة تسيطرة على أطروحات الكيان الصهuيوني مع الأقطار العربية كجزء من تنظيم شروط اندماجها الإقليمي في مرحلة ما بعد التسوية كما يطمحون ويخططون وهو ما يتمثل في:
1- احتلال الترتيبات الأمنية والعسكرية حيزاً مهماً من اتفاق أوسلو واتفاقات القاهرة اللاحقة مع م . ت . ف – والإصرار على تضمين الاتفاقات على الجانب العربي مناطق منزوعة السلاح واسعة نسبياً، وإدخال تعديلات على الحدود لمصلحة توسع الكيان الصهuيوني .
2- تحويل مرحلة الحكم الذاتي الفلسطيني والمنصوص عليها في اتفاق أوسلو إلى مرحلة اختبارية لمنظة التحرير والمقاومة والسلطة الفلسطينية يكون مقياسها أمن المستوطنات الصهuيونية وجيشها داخل مناطق الحكم الذاتي المحدود والمناطق المحتلة.
3- النظر إلى التجمعات الفلسطينية في الأقطار العربية وفي فلسطين المحتلة ذاتها من منظور أمني، والاشتراط على الأقطار العربية التي تستضيفهم الموافقة على مبدأ توطينهم.
4- النظر إلى الأردن من زاوية الوظائف الأمنية التي يمكن أن يؤديها كعازل بين الكيان الصهuيوني وبين الأقطار العربية المجاورة للأردن.
5- اعتماد مفهوم الأمن اللامتكافئ وكما يلي:
الأمن اللامتكافئ
يستند هذا المصطلح إلى الأسس التالية:
أ- اعتماد قناعة أن التفوق العسكري الصهuيوني هو الذي أرغم أنظمة الأقطار العربية على التفاوض معها، وأن الحفاظ على هذا التفوق هو أحد ضمانات السلام.
ب- استخدام العلاقة المتميزة التي تربط الكيان الصهuيوني بالولايات المتحدة كدعامة من دعائم أمنه (أي قوة ردع مساندة له في مواجهة محيطه العربي).
ت- اعتبار احتفاظ الكيان الصهuيوني بتفوقه العسكري النوعي في مجال الأسلحة التقليدية والأسلحة غير التقليدية لفترة مفتوحة زمنياً، أمر لا بديل عنه، وبالتالي الحرص على البقاء خارج أية معاهدات قد تضع قيود على تسلحه، ومن ضمن ذلك معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
ث- اعتماد مفهوم المنطقة العازلة منزوعة السلاح أو شبه المنزوعة في أي اتفاق مع الدول العربية وخاصة مع مصر. كما أنه في أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية لإقامة دولة فلسطينية فإنها لا بد أن تكون منزوعة السلاح، باعتبار ذلك بديلاً عن العمق الاستراتيجي الذي يفتقر إليه الكيان الصهuيوني المحتل.
🔸الحرب الاختيارية
يجري تأكيد مفهوم الحرب الاختيارية كبديل للحرب الدفاعية أو الإجهاضية، ويقصد بها تلك الحروب التي تخوضها دولة الكيان الصهuيوني بمحض اختيارها وبدافع من رغبتها في تحقيق مصالحها كما تراها وتحددها، وهي حرب تستجيب لتطور دور الكيان الصهuيوني في المنطقة العربية ومنطقة (الشرق أوسط) عموماً من (كيان) يبحث عن الاعتراف والقبول إلى دولة تؤكد دورها السياسي والاستراتيجي في المنطقة.
ويمثل البعد النووي في الأمن الصهuيوني أحد المظاهر المهمة لسيطرة هاجس الأمن السرمدي الذي فرض ضرورة انفراد الصها ينة بامتلاك مقدراتها الخاصة بصرف النظر عن الارتباط العميق بدولة عظمى توفر لها المساندة السياسية والعسكرية والمالية (29).
يتبع لطفاً.