مقالات

في الذكرى السابعة والسبعين للتأسيس تحديات البعث-محمد حلاوي

في الذكرى السابعة والسبعين للتأسيس
تحديات البعث

العيد في ذكرى التأسيس هذا العام له لون أخر، فقد اصطبغ بلون دماء شهداء وجرحى غزة هاشم وبرائحة من لا يزالون تحت أنقاض مبانيها المهدمة، رائحتهم الفواحة بعطر الكرامة والصمود والإباء ليس ذودا عن فلسطين بشعبها وأرضها وكيانها فحسب، بل عن كرامة الوطن العربي وعروبة الأمة ورسالتها الإنسانية الخالدة، رغم ابتلائها في حاضر هذه الأيام بظلم وفساد حاكميها حتى غدت مكلومة تئن بأوجاعها وتشرذمها.
إن السابع من نيسان العام 1947 يعيدنا إلى إحياء المبادئ واستذكار المؤسسين الذين صدحت
حناجرهم امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة مؤمنين بحتمية تحقيق وحدة الأمة وتحررها وإقامة نظام العدل والشراكة والمساواة في مجتمعنا العربي.

إن الاحتفال بالذكرى هو تكريم لأولئك الرفاق المؤسسين ولسائر الرفاق المناضلين الذين فقدوا
حياتهم شهداء على طريق المسيرة النضالية والذين ما زالوا أحياء يتابعون معركة الجهاد إيمانا برؤية الرواد الأوائل وصوابّية الرسالة.

بحلول الذكرى نستعيد معها جيلا من المقاومين الذين كانوا على التوالي طليعة الثائرين المنتفضين في ثورات العرب، في فلسطين ولبنان وسائر الأقطار العربية ضد الاستعمار الأجنبي وفي مواجهة أصحاب المشاريع التقسيمية العنصرية والطائفية والمذهبية وايضا تحاكي المناضلين الذين ما يزالون حاملي الراية قابضين على الزناد.
إن تضحيات السابقين الراحلين والأحياء المغمّسة بعرق المعاناة والجهاد ودماء المصابين والشهداء ستبقى محفورة راسخة في ذاكرة الأمة بأجيالها الحاضرة والآتية مشعّة بعنوان الكرامة والعنفوان ومحفّزة على مواصلة الكفاح والعطاء.
إن حزب البعث، حزب الأمة العربية، هو فكرة قبل أن يكون تنظيما ولا يمكن لأحد أن يلغي الفكرة من الوجود ولم يكن ولن يكون حركة عابرة في تاريخ الأمة العربية والعالم، مهما تبدلت الأحوال وتغيرت الازمان، ومهما كبرت التحديات وتكالب الاعداء لعرقلة نهجه النضالي. هذا الحزب المبادر لتشخيص واقع الأمة بمؤهلاتها وعطاءاتها من جهة ومحدّدا أزماتها ومعوّقات تطورها من جهة ثانية، طارحا الحلول الناجعة لمعالجة هذه الأزمات والمعوّقات، إذ ربط الفكر القومي العربي بالمفهوم الاجتماعي الاقتصادي والاشتراكي وأعطى البعد العملي للفكر القومي. فقد أخذ منذ النشأة يخوض معركة العروبة مع أعدائها سواء عندما كان في صفوف المعارضة ام أبّان وجوده في السلطة قائدا مسؤولا، ذلك بحكم نشأته وسط المصاعب والانقسامات العربية على المستوى القومي والمنازعات الداخلية على المستوى القطري، لكنه ازداد قوة ومهابة في تصدّيه لتلك الانقسامات والنزاعات حيث قاد التظاهرات والإضرابات عندما كان في صفوف المعارضة وفي الوقت عينه كان مقداما في المنازلات الديمقراطية الشعبية التي تدعو إليها السلطات الرسمية الحاكمة رغم شوائب إجراءاتها لتضمن بقاءها متربعة على كراسي الحكم. فقد خاض الانتخابات النيابية والمحلية والنقابية وحقق الفوز في العديد من الأقطار، ناهيك عن مشاركته الفاعلة منذ
بداياته في المعارك العسكرية القومية سيما في ثورات فلسطين ضد الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني وفي ثورات وانتفاضات لبنان وسوريا والعراق لإحباط الأحلاف والمشاريع الاستعمارية المشبوهة والفتن الطائفية، فضلا عن قيامه بواجب التصدي للعدو الصهيوني في جنوب لبنان مدافعا ارض الوطن حيث سقط له الجرحى والشهداء من مختلف المستويات الحزبية ومن أكثر من منطقة وقطر، علاوة على موقفه ودوره أثناء فترة توليه الحكم في سوريا والعراق حيث حقق الإنجازات رغم العراقيل في الداخل ومؤامرات الأعداء في الخارج. إلاّ ان إنجازات فترات توليه زمام السلطة في القطر السوري قد ضاعت وأُجهضت وسط ضعف تجربته في الحكم وخلافاته الداخلية وتآمر خصومه وأعدائه عليه من كل حدب وصوب.
لكن إقامة وحدة مصر وسوريا في العام 1958 تبقى محطة نضالية تاريخية شاهدة على تخلي الرفاق عن ذاتيتهم مقرنين الفعل بالقول. فكانت تلك المحطة التاريخية تجسيدا لمصداقية البعثيين المتماهية دائما مع المصلحة العامة للأمة.
اما مسيرة الحزب في أثناء قيادة السلطة في القطر العراقي بتمايزها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعسكري، فلا يتسع لها مقال او كتاب أو حتى مجلدات وقد غدت شوكة موجعة في عيون الأعداء، فجهزوا لأعاقتها وافشالها شتى إمكانياتهم المؤامراتية وجندوا عملاءهم للإيقاع بقيادة الدولة والحزب حتى تمكنوا في العام 2003 من غزو العراق واحتلاله فعاثوا فيه تفتيتا ونهبا وتدميرا لمقومات الدولة وتنكيلا بالبعثيين قواعد وكوادر وقيادات حتى نالوا رأس الهرم رئيس الدولة امين عام الحزب الشهيد صدام حسين.
لكن قد يكون التذكير بعينات من عناوين انجازات الحكم الوطني بقيادة الحزب شاهدا وداحضا لأكاذيبهم وافتراءاتهم وفي الوقت عينه عبرة للأجيال الحاضرة والآتية لاستخلاص الدروس والعبر بغية إنارة الذاكرة وتقوية الوعي السياسي، تمكينا لمواصلة المسيرة وتسجيل مآثر جديدة خلاقة بعصرهم وشبابهم نابعة من رحم البعث ورسالة الأمة الخالدة. نذكر منها: قانون تأميم النفط – قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق – إعداد الخطط التنموية وتنفيذها – تطوير الجيش وتحديث إمكانياته العسكرية مما مكنه من الدفاع عن الحدود الشرقية للوطن ودعم جيوش المواجهة للعدو الصهيوني وتعزيز فاعلية المقاومة لهذا العدو – إنشاء المؤسسات العامة للتصنيع العسكري والمدني وتوفير الإمكانيات المالية
للتطوير الصناعي والعسكري الاستراتيجي ومراكز الأبحاث العلمية – إخراج العراق من إطار دول العالم الثالث في مجالي التعليم والصحة بشهادة منظمة اليونيسكو بفرض إلزامية التعليم وتصفير أمية العراقيين. فأقام لهذه الأغراض المباني والصروح المدرسية والجامعية في المناطق والمحافظات كافة وزودها بالتقنيات الحديثة والكفاءات التعليمية العالية المستوى. وكذلك الأمر فيما يتعلق بإنشاء المستشفيات و المختبرات ودور الرعاية الصحية والاجتماعية في مختلف نواحي العراق – توفير خدمات الماء والكهرباء والمواصلات والاتصالات بأسعار رمزية – تحقيق ثورة صناعية وزراعية وإنمائية بتخصيص المساعدات والقروض للخدمات والمشاريع الزراعية والصناعية وتقديم التسهيلات لملايين المواطنين العرب للعمل والاستثمار في مجالي الصناعة والزراعة – دعم المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الأساسية – وضع الخطط لتوفير السكن الملائم والاهتمام بالأمن الداخلي للمواطنين، فضلا عن رفد الدول الشقيقة بالدعم السياسي والمالي لمساعدتها في تطوير مشاريعها التنموية وتخصيص الأشقاء الفلسطينيين برعاية واحتضان مميزين لا سيما الصامدين في الداخل الفلسطيني المقاومين للعدو الصهيوني المغتصب لأرضهم.

لكن ليس من المستهجن أو المستغرب أن يتكالب أعداء الأمة على محاصرة العراق ويتسابقوا على إسقاط حكمه الوطني واجتثاث حزبه، لما شكله من مخاطر على مشاريعهم التفتيتية للوطن العربي، لكن العجب ان يلقى من الحكومات الشقيقة والمجاورة الاضطهاد ذاته بملاحقة البعثيين واستمرار التضييق عليهم في أكثر من قطر حتى لأوضع الأسباب والذرائع. هذه الحكومات التي تسخّر الأجهزة الأمنية والإعلامية لتبرير اعمالها ضاربة عرض الحائط بالقوانين والنظم والقيم الأخلاقية والإنسانية، إضافة إلى تجنيد قوى الأمر الواقع أجهزتها وأبواقها حفاظا على مصالحها الفئوية ومراكزها السلطوية، وتنفيذ أجندات
مرجعياتها الخارجية. علما ان الحزب كان دائما وما يزال في مختلف المناسبات من الداعين للمحافظة على مكونات الدولة العادلة ودعم مؤسساتها الشرعية.
بخلفيات الحقد الدفين لهؤلاء الأعداء ليس على حزب البعث والعراق فحسب، بل على الأمة العربية بتراثها ومآثرها الحضارية، فقد حاولوا جاهدين طمس وتدمير ما استطاعوا من انجازات حققها البعثيون في بناء الوطن القوي المهاب وتوفير العيش الكريم والمجتمع الآمن للمواطنين. غير ان تلك الاعمال العدائية لن تزيد البعثيين الا ثقة بالنفس وإصرارا على التشبث بعقيدتهم والاستمرار بمسيرتهم الوطنية والقومية على طريق تحقيق أهدافهم النبيلة في قيام دولة المواطنة ووحدة الأمة وفي مواجهة التحديات من أينما أتت وكيفما كانت.
وستبقى ذكرى تأسيس البعث والقائد المؤسس الرفيق ميشيل عفلق وسائر الرفاق المؤسسين
ومناضليه المتوالين شعلة وضّاءة تنير دروب أحرار الأمة.

محمد حلاوي ـ عضو قيادة قطرية سابقا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى