ثورة 17 – 30 تموز المجيدة ثورة كل العرب أحمد علوش
ثورة 17 – 30 تموز المجيدة
ثورة كل العرب
أحمد علوش
سُئل الرئيس الشهيد صدام حسين مرةً عن جدوى قبول الطلبة العرب في الجامعات والمعاهد العراقية واغلبهم لم ينتموا إلى “البعث” أو غادروه، وكان جوابه أن هذا العلم والخبرة يبقى في إطار الأمة، وهذا بحد ذاته هو الإنجاز.لأن نسبة مئوية من عدد الطلاب وهذه كانت تخصص للعرب كدلالة رمزية معبرة عن نهج وتفكير قيادة ثورة 17 – 30 تموز المجيدة التي قامت رداً على هزيمة الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ ، ومن أجل إعادة العراق إلى موقعه الطبيعي والطليعي من قضايا أمته وانتشاله من براثن الشعوبية التي بدأت تعشعش فيه، واليسار اللاقومي . ولأن هذه الثورة تستند إلى فكر البعث ومبادئه وأهدافه فقد أثارت حفيظة كل القوى المعادية للأمة وفي مقدمتها الدوائر الإمبريالية والصهيونية التي رأت فيها منذ اللحظة الأولى خطراً وجودياً . إلا أن هذه القوى تريثت بداية ظناً منها أنها قد تكون ثورة تقليدية لن تتجاوز الخطوط الحمر وإلا فإن التعامل منها قد يكون مختلفاً.
ثورة 17 – 30 تموز المجيدة تعيش في قلوب العراقيين وضمائر كل العرب، وفي عجالة لن نتحدث عن إنجازاتها الوطنية في البناء والتقدم على كل المستويات وهي مشخصة ومعروفة، وسنتناول بعضاً من مواقفها القومية وهي التي نجحت في إرساء نهج مبدئي وثابت في علاقاتها العربية وبنت موقع الاقتدار المتقدم للأمة رغم كل الحروب والظروف والعدوان المستمر عليها الذي بدأ بتحريك “التمرد الكردي” الذي كان مدعوماً في كل قوى الشر والعدوان الصهيونية والاستعمارية وقوى الإقليم ومن ثم العدوان الإيراني الذي استمر ثمانية سنوات وانتهى بنصر عراقي حاسم وهزيمة كبرى للمشروع العدواني على كل المستويات الفكرية والسياسية والعسكرية ليظل العراق سيف الأمة ودرعها في مواجهة الحرب الصفراء القادمة من إيران، وكل ريح أخرى.
أولى المواجهات كانت عام ١٩٦٩ عندما اعلن العراق تصفية الجواسيس وإعدامهم، فاقتلع وجود الماسونية من أرض الرافدين، يومها اعتبرت قوى الاستعمار والصهيونية، أن هذه الثورة يجب ان تُضرب وتُصفى ولو بعد حين، لتكون الضربة الحاسمة والكبرى بعد ذلك تأميم النفط بكل ما حمل من معاني ودلالات ونتائج .
اما القضية الفلسطينية فكانت ركيزة مواقف العراق من كل القضايا الأخرى ولا داعي للإطالة والشرح في هذا الموضوع الذي يعرفه القاصي والداني ويكفي ان نذّكر بانتفاضة الأقصى عام الفين إذ تبنى الاستشهاديين وعوائلهم وإعادة بناء بيوتهم المهدمة، وفتح أبواب الجامعات العراقية للطلبة الفلسطينيين دون أية قيود وطالب الأمم المتحدة بتقديم الغذاء والدواء وكل المستلزمات الأخرى للفلسطينيين كما العراقيين بموجب اتفاق النفط مقابل الغذاء، ووّحد الخندق الجهادي الممتد من بغداد إلى القدس، وتمنى الرئيس الشهيد صدام حسين في حديث له ان يكون واحداً من هؤلاء الاستشهاديين. على أرض فلسطين، وما تزال مواقفه ثابتة عندما عُرض عليه إنهاء معاناة العراق مقابل ابتعاده عن القضية الفلسطينية وعدم التدخل بها ،ليجيب والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري لما رجعت عن هذا الأمر ولما رجعت عنه أبداً والرئيس الشهيد توج إيمانه هذا شهيداً على منصة الشرف ليرفع شعاره عاشت فلسطين حرة عربية من النهر الى البحر.
أما بالنسية لمصر فقد احتضن العراق مصر، وفتح أبوابه للمصريين ومدها بكل عوامل القوة والإسناد، وفي حرب تشرين أول عام ١٩٧٣ كانت الطائرات العراقية أول من نفذ الضربة الجوية الأولى على خط بارليف في سيناء، وبالموازاة حمى جيش العراق دمشق من السقوط وكان الرد عليه بعد ذلك باشتراك الجيشين المصري والسوري في الحرب ضده في حفر الباطن عام ١٩٩١ يوم شارك الطرفان في حصاره وتجويع العراقيين لاحقاً.
وهنا تجدر الإشارة أن العراق هو الذي قاد عودة مصر إلى الصف العربي ادراكا من التزام قومي ان سياسات النظام لا تعني محاصرة شعب مصر العربي وعزله، وعندما جاء حسني مبارك يشكو الحاجة لاستيراد القمح بعد رفض الكويت مساعدته، قدم له ما بقي في الخزينة العراقية من احتياط مالي وكانت عينه على كرامة شعب مصر وتجنبه مخاطر الجوع والحاجة.
أما في مواقفه الأخرى يجب أن نذكر أن دعمه ظل ثابتاً لثورة الاحواز وثورة أريتريا وكان على الدوام يقدم لهما كل الدعم والإسناد المادي والمعنوي والفكري والسياسي بموازاة موقفه الثابت من عروبة الجزر العربية الثلاث “طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى” كذلك تأكيده باستمرار على عروبة الإسكندرون.
إن موقف العراق في ظل ثورته الرائدة كان ثابتاً وواضحاً وهو لم يحتمل المساومة أو ازدواجية المعايير،حيث الأرض العربية مقدسة بالنسبة له وأن كل ذرة تراب في الوطن العربي واحدة ولا يجوز التفريط بها او المساومة عليها.
وفي هذا السياق وقف إلى جانب شعب لبنان وترجم ذلك بأن أرسل القوات الخاصة العراقية إلى الجنوب اللبناني إبان الاجتياح الصهيوني عام ١٩٧٨ ، كما ابدى استعداده لوقف الحرب مع إيران إبان الغزو الصهيوني عام ١٩٨٢ والسماح للقوات الإيرانية عبور العراق بكامل قوتها وتسليحها وعديدها والانضمام للجيش العراقي في مسيرة واحدة للتصدي للعدوان الصهيوني لكنه قوبل بتصعيد غير مسبوق في شرق البصرة حيث علق القائد الفلسطيني الشهيد أبو اياد في حينه “طلبنا من ايران عدم التصعيد لتظل الأنظار مشدودة إلى بيروت الا أننا فوجئنا بما يحدث”.
كما مدّ اللبنانيين بكل أسباب القوة والدعم والمساعدات المادية والغذائية كما عرض على الدولة اللبنانية زيادة التبادل التجاري بموجب اتفاق النفط مقابل الغذاء وإعادة تشغيل مصفاه طرابلس وخط الأنابيب ووديعة بمليار دولار في مصرف لبنان المركزي من دون أية طلبات او شروط ولكنها لأسباب معروفة لم تستجب لذلك.
وفي اليمن عدا عن الدعم الاقتصادي وشركة الحفر العراقية التي كانت تغطي كل ارض اليمن وتحفر الآبار الارتوازية، فإن السلاح والضباط والخبرات العسكرية العراقية كان لها الدور الحاسم في معارك وحدة اليمن الذي يواجه اليوم مخاطر تقسيمه.
وفي موريتانيا كان السلاح العراقي والكفاءات العراقية صاحبة الدور الحاسم في صد عدوان السنغال على هذا البلد العربي بما كان يهدد وحدته وعروبته وتنوعه علاوة على استقبال الاف الطلبة الموريتانيين في الجامعات العراقية سنوياً.
وأخيراً وليس أخراً بفعل وقفة العراق السياسية والاقتصادية والاهم العسكرية لم تنجح كل محاولات تمزيق السودان واقتطاع جنوبه الأمر الذي تحقق بعد غزو العراق واحتلاله وبعد أن فقد العرب موقع اقتدارهم المتقدم.
سأل الرئيس الشهيد صدام حسين مرةً العرب : “هل وضعكم افضل عندما ضرب العراق”؟ الإجابة عن هذا التساؤل بكل ما تشهده وما تتعرض له أمتنا من مخاطر وما جرى للعراق بعد الاحتلال المركب الاميركي الإيراني.