المَشْرُوع القومِيّ المُسْتَقْبلِي طَرِيقُ الخَلَاص د. نضال عبدالمجيد مقدمة
المَشْرُوع القومِيّ المُسْتَقْبلِي
طَرِيقُ الخَلَاص
د. نضال عبدالمجيد
مقدمة
غادر القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق في ٢٣ حزيران ١٩٨٩، وقد ترك في اعناق البعثيين أمانة المسؤولية في اداء الرسالة بتحقيق الاهداف الكبرى للحزب والأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية. ومن اجل بلوغ هذه الاهداف، والإرتقاء بحالة الأمة التي كانت ومازالت تعاني من النكسات والهزائم، وما فشل الدولة القطرية الا صورة من صور التداعي والانكسار، والذي بات يضرب في صميم الشخصية العربية ، شخص القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق في خطابه في السابع من نيسان عام ١٩٨٦ رؤيته الثاقبة والتي تمثلت في المشروع القومي المستقبلي الذي قال عنه
” ان المشروع القومي المستقبلي الذي تتطلع أمتنا الى تحقيقه اليوم، لايجوز ان يقل طموحه عن صهر لمختلف الفئات القومية ولو بعد اشواط من التعاون والعمل المشترك لتكوين اداة موحدة النظرة والارادة، ولرفع العمل القومي الى المستوى الحضاري، لان عملية الصهر هذه تفترض ان الصيغة الجديدة هي التي تلبي طموحات جميع حاجات الشعب العربي الروحية والمادية، وتربي شخصية الانسان العربي أيضا من كل جوانبها، الصيغة الجديدة يجب ان تستوعب كل ما في هذه الاختلافات من عناصر ايجابية.”(١)
النداء القومي
كان هذا قبل اكثر من ٣٨ عاما، واليوم وبعد سلسلة الكوارث والازمات التي تعيشها الأمة، أرتأينا العودة لهذا المشروع، وتقليب اوراقه، للخروج بصيغة تخدم النضال القومي في صراع الأمة مع أعدائها.
وتعود فكرة المشروع القومي للعمل المستقبلي الى ١٠ حزيران ١٩٨٥، عندما واجهت المقاومة الفلسطينية عدواناً غاشماً شنّته قوات النظام السوري في لبنان حينها مدعومة من مليشيات محلية، يقول الاستاذ ناصيف عواد عن ذلك” في لحظة متفجرة سألت الاستاذ ميشيل عفلق ماذا سنفعل أمام مايقومون به بهذه الحرب ضد المخيمات الفلسطينية في لبنان ؟ فرد بقوة ” لازم نتحدث ونتحرك ازاء هذا التغول في التآمر على المقاومة الفلسطينية” (٢). فوجه القائد المؤسس نداء العاشر من حزيران ١٩٨٥ الذي تحول الى سلسلة من اللقاءات الفكرية ضمت عددا من المفكرين والمثقفين العرب، من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، والتي استمرت لحين رحيله عن الدنيا في ٢٣ حزيران ١٩٨٩.
وقد تطور هذا النداء من نداء لوقف الهجوم على المقاومة الفلسطينية في لبنان الى مشروع قومي للعمل المستقبلي قائم على الحوار والتفاعل، بما يكفل تحقيق تطلعات الامة العربية وشعبها الواحد من المحيط الى الخليج.
وفي خطاب ٧ نيسان ١٩٨٨، وصف القائد المؤسس هذا النداء بأنه ” نداء الى الخائفين على مصير الامة، دون ان يعطل الخوف وضوح رؤيتهم، بل يشحذ هممهم ويضاعف ايمانهم بضرورة أخذ المبادرة التاريخية اليوم قبل الغد “. مضيفاً “فالمهم أن يبدأ هذا العمل المستقبلي الطويل، الذي هو امل، بمقدمات جديّة قابلة للنماء والتطور، وقادرة على معالجة الظواهر المعطِّلة والمشوِّهة والمزيِّفة للنضال القومي، وان يعبر عن نضج وعي الأمة ووضوح وتصلب ارادتها”.
ان الامة العربية أشد حاجة الان الى اعادة طرح هذا المشروع، ولورجعنا قليلا الى الوراء لنجد ان البعث اول من دعا الى قيام جبهة شعبية بين الحركات والاحزاب السياسية لمواجهة التحديات، وذلك في مقررات المؤتمر القومي التاسع في شباط ١٩٦٨.
ان اللحظة الراهنة التي تعيش صفحاتها الامة في جميع اقطارها، وهذه العثرات وهذا التكالب الامبريالي الصهيوني الايراني على الامة، يدعونا الى ان نستذكر ماقاله القائد المؤسس في خطاب نيسان ١٩٨٨ “ان النداء القومي يلتقي ايضاً مع سمة كانت دوماً معبِّرة عن طبيعة البعث، الا وهي الإنفتاح، والإستعداد للحوار، والتطلع الى التطور المستمر، والثقة العميقة والنزاهة في حمل رسالة الأمة والتطوع لخدمتها، وخدمة قضيتها، مع شعور بالتواضع امام عِظَم المسؤولية القومية”.
تَشَرذُم النُخَب وتَفتِيت المُجَزّأ
في اطلالة سريعة على واقع الامة، نجد نقيضين ، طلائع للامة تواجة التغول الصهيوني وتشتعل المواجهة على ارض فلسطين، وطلائع اخرى تواجة الغزو الايراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأقطار عربية تعاني الصراعات، وتعبث بها المليشيات التي تحاول هدم النسيج الوطني والاجتماعي لهذه الاقطار.
يقابل ذلك احزاب وحركات ومثقفين، تخلّوا عن دورِهم الوطني والقومي بالصمت او بالتحول للترويج للمشروعين الصهيوني أوالايراني.
ويناظر كل تلك التحديات الانشغال بالهم القطري، لترقيع المشاكل المزمنة، والتي لن تجد لها حلا بفعل التركيبة المؤسِّسة للدولة القطرية، والتي جعلت منها دويلة عاجزة وفاشلة في احيان كثيرة.
والحديث عنها لاتستوعبه الاف الصفحات، ومانريد عرضه هنا، من لمحة سريعة عن واقع متردٍّ، لاينهض به الا عمل قومي منظم.
في هذا الشأن يقول القائد المؤسس في ذات المناسبة ” فمنهج البعث في التعامل مع الواقع ومع مشكلاته الراهنة، كان يؤشر دوماً الآفاق المستقبلية التي تضغط على الحاضر، وتدعو جميع العناصر والقوى القومية للإلتقاء حول عمل ينقذ الأمة من المسايرة للواقع الراهن، والسكوت عن الامراض والمصالح غير المشروعة التي تتناقض مع مصلحة الجماهير الواسعة، ومع مستلزمات الدفاع عن سيادة الامة وحقوق الشعب أمام القوى الاستعمارية وكل الأعداء الطامعين، عمل يشق طريق المستقبل، عن طريق الحوار الديمقراطي، وملء الفراغ في العمل القومي والارتفاع الى مستوى جديد تتحقق فيه وحدة النضال التي هي الطريق الصحيح الى الوحدة والى سيطرة الأمة على مقدراتها وأطلاق كامل طاقاتها”.
العمل القومي المُنَظَّم
يثير تذكر مشروع العمل القومي المستقبلي، مجموعة من الآمال والتمنيات، يحتم الان احياء هذا المشروع من خلال عمل جدي تتنادى له كافة القوى القومية، من خلال التلاقي على الحد الادنى، فأركان هذا المشروع المستقبلي، لازالت منذ خطاب الوداع للقائد المؤسس في ٧ نيسان ١٩٨٩، تتمثل في الوحدة والديمقراطية وما يتبعها من عدالة ومساواة ورفاه اجتماعي. وان من اولى المهمات تعديل اسلوب الخطاب لجيل عربي جديد ليس لديه الصبر لقراءة بيانات طويلة وبالامكان الاستعاضة عن ذلك بنشر فقرات قصيرة، وجمل متكاملة المعنى.
وليكن واضحا امام القوى القومية ان تشرذمها، لايخدم سوى اعداء الامة، وان الانشغال بالهم القطري اليومي، ينبغي ان لا يعمي البصيرة عن الهم القومي. فالحوار الجدي، ونبذ صراعات الماضي، هو السبيل للارتقاء بالعمل القومي الى مراحل متقدمة. وفي هذا يقول القائد المؤسِّس :
” أن التحدي الاكبر اليوم وغدا هو بناء الرؤية المتكاملة لمغالبة واقع التجزئة، والتعبير عنها باستراتيجيات وبرامج تكون موضع توافق عربي، وتلك وحدها الضمانة لتفعيل تلك الاستراتيجيات”(٣).
وفي هذا الشأن لايقصد النظام الرسمي العربي ومؤسساته التي عجزت عن تحقيق أدنى انواع التعاون بين الاقطار العربية، بسبب عدم جدية الدولة القطرية في تفعيل التعاون والتكامل العربي.
وما على القوى القومية وفي مقدمتها البعث الا أن تعيد زمام المبادرة كما بدأها القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق، فالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق البعث كحركة قومية صاعدة متجددة، تحتم هذا التحرك القومي البناء لتحقيق اهداف الامة وتطلعاتها المشروعة، وحقها في العيش كأمة واحدة، لتؤدي دورها المأمول في الحضارة الانسانية.
المراجع
___
١. ميشيل عفلق ، في سبيل البعث الجزء الثالث، من اجل عمل عربي مستقبلي، بغداد دار الحرية ١٩٨٩.
٢ .سليم النجار، حوارات مع ناصيف عواد، دار دجلة، عمان، ٢٠١٤،ص١٢٧
٣. عبدالالة بلقزيز، مسالك التقدم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ٢٠٢٢، ص٧٠-٧١