التداعيات الإقتصادية والإجتماعية للحرب ومعالجتها الجزء الثالث – قيادة قطر السودان – اللجنة الإقتصادية
التداعيات الإقتصادية والإجتماعية للحرب ومعالجتها
الجزء الثالث –
قيادة قطر السودان – اللجنة الإقتصادية
مقدمة:
بمرور عام على حرب التدمير العبثية التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان من العام الماضي، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تتناول مساهمة اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بالرصد والبيانات والمعلومات، ما أمكن، والتحليل وبمنظور اقتصادي اجتماعي والتركيز عليه، تداعيات الحرب وآثارها البنيوية على مجمل الأوضاع في البلاد ومعالجتها، وسوف يتم تناول محورين فيما يلي هما :
1- الجذور والأبعاد التاريخية الكامنة للحرب
2- التأثير والأدوار الإقليمية والدولية في مجرياتها والمعالجة.
العلاقات الخارجية والتعاملات الدولية ذات التاثير المتبادل:
تحليل تاريخي معمق مع التركيز على السودان وإظهار المؤامرة عليه
تراجع الدور الدولي للاتحاد السوفيتي- الأمر الذى مهد لانهياره مطلع التسعينيات من القرن الماضي- ثم بانهياره تبدل هيكل النظام الدولي من ثنائي القطبية، وما يعرف بالحرب الباردة، إلى أحادي القطبية بزعامة
الهيمنة الأمريكية وتم إعلان ما سمي بالنظام العالمي الجديد والعولمة، ثم جاءت أحداث “11” سبتمبر وغزو واحتلال أفغانستان والعراق ثم ما سُمِّي الحرب على الإرهاب؛ كل ذلك أدى لتعميق سطوة وتفرد أمريكا في النظام العالمي.
فى كلمته للمؤتمر العاشر للحزب لقطر العراق قال القائد الشهيد صدام حسين (إن تراجع الدور الدولي للاتحاد السوفيتي سيخلق فراغًا في السياسة الدولية، وبحكم موازين القوى الماثلة، فإن أمريكا مرشحة لأن تملأ هذا الفراغ، إلآ أنها- وبحكم خلفيتها- لن تتعامل مع ذلك بحكمة، بل سترتكب حماقة، وإن أول ضحايا حماقتها ستكون الأمة العربية)، وقد كان.
إفشال الدولة وتعميم الفوضى وعدم الاستقرار
شهد العالم منذ الحرب العالمية الثانية “250” نزاعاً مسلحاً راح ضحيته “170” مليون شخص، وكانت الحروب التقليدية بين الدول هي المهدد للسلم والأمن، ولكن ما بعد “الحرب الباردة” انتشرت الحروب داخل الدول وهي ما أصطلح عليه بحروب الجيل الرابع تحت مبررات نشر الديمقراطية والتخلص من الدكتاتورية والدفاع عن حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي لها، وإنهاء احتكار الدولة للعمليات العسكرية بما يؤدي إلى إفشال الدولة وزعزعة استقرارها، ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية الامبريالية، ويؤدي للتدخل الدولي تحت ذرائع إنسانية، ويلاحظ انتشار هذه الحروب في دول العالم الثالث ودول ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي.
ولم تعد أنماط العلاقات الخارجية بين الدول قائمة على التعاون والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار، وإنما أصبحت نظرية تفوُّق القوة هي الأساس في تحديد استراتيجيات الدول.
في كتابه الدول المارقة اعتبر الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي أن الولايات المتحدة الأمريكية هي في طليعة الدول المارقة التي تقوم بأعمال عدوانية ولا تتقيد بالقانون الدولي وتمارس التعذيب والارهاب.
وقد شرح جون بيركنز مؤلف كتاب «اعترافات قرصان اقتصادي» الذي ترجم إلى «الاغتيال الاقتصادي للأمم” تجاربه في العمل كقاتل اقتصادي في شركة إستشارية وظفتها الحكومة الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات لإقناع الدول النامية بقبول قروض كبيرة لمشاريع البنية التحتية، تعجز عن سدادها، مما يجعل هذه الدول عرضة للتأثير والسيطرة الخارجيين، حيث تعمل بشكل فعال كشكل من أشكال الإمبريالية الاقتصادية، ويشير بيركنز إلى كيف أسهمت هذه الممارسات في اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء واستغلال الموارد الطبيعية في هذه البلدان، حيث أُعتُبر هذا الاعتراف تعرية للرأسمالية العالمية، وأثار مناقشات حول أخلاقيات التنمية الاقتصادية، ودور الشركات متعددة الجنسيات، وآثار العولمة على الدول النامية.
بعد صعود اليمين المتطرف للسلطة- ريجان في أمريكا ومارغريت تاتشر في بريطانيا- أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وتعزيز التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في ذات العام، تفتحت شهية النهب الإمبريالي لصالح الشركات متعددة الجنسيات المتخفية وراء مراكز صنع القرار ودوائر الاستخبارات الغربية وكارتيلات صناعة السلاح، ولم يعد سراً مخطط تقسيم المنطقة العربية والإسلامية أو ما سُمِّيَ بمخطط “برنارد لويس” وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أمريكي الجنسية، عمل مستشار لبوش- الأب والابن- وشارك في هندسة غزو العراق واحتلاله في عام “2003م” بعد أقسي وأطول حصار فرضته “الأمم المتحدة “على دولة عضو فيها، يقوم مخطط لويس على تفتيت دول المنطقة على أساس عرقي وطائفي ومذهبي ولغوي، ويحولها إلى كانتونات (طائفية، مذهبية … الخ)، ويعطي مبرراً وشرعية للكيان
الصهيوني، بما أن كل طائفة ستكون لها دولة، فوجود دولة يهودية يصبح مبرراً من الناحية الأخلاقية.
في عام “1983م” وافق الكونجرس الأمريكي في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس وأصبح ضمن الاستراتيجية الأمريكية العليا، وفي العام “2013م” نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية خريطة تظهر فيها خمس دول بالشرق الأوسط وقد قسمت إلى “14” دولة، شملت السودان الذي سيقسم إلى “4” دويلات، هي دويلة النوبة المتكاملة مع دويلة النوبة في الأراضي المصرية وعاصمتها أسوان، دويلة الشمال السوداني الإسلامي، دويلة الجنوب السوداني المسيحي، ودولة دارفور.
وقد كشف بول كريغ روبرتس مساعد سكرتير الخزانة الأمريكي في عهد الرئيس ريغان في مقال بعنوان (السياسة الأمريكية الخفيةّ…تحالف الايدلوجيا والمال في تحطيم الدول) – مؤامرة تحطيم السودان، قائلاً:
(في أواخر العام “1992م” نشر الباحثان في معهد السلام بواشنطن “جون تيمن” و”جاكلين ولسون” دراسة حذرت من سعي السودان – الدولة الإفريقية العربية الفقيرة والمنغمسة في حرب أهلية طويلة منذ استقلالها عن بريطانيا في خمسينيات القرن المنصرم- إلى الانتقال إلى مصاف الدول المصدرة للبترول.. وإن الإشارات السياسية التي ما انفكت ترد من ذلك البلد ذو المساحة الشاسعة كانت منذ الثمانينيات وقبل وصول الإسلاميين الراديكاليين إلى الحكم “تبعث على القلق”، مشيرين إلى فتور علاقات السودان مع الإدارات الأمريكية التي أعقبت فترة الرئيس ريجان الثانية في البيت الأبيض، بما فيها أثناء فترة الحكم الديمقراطي القصيرة في السودان “1986م”- “1989م).
يتبع لطفاً.