حرب المواقع المتداخلة والحسابات المتكاملة أحمد علوش
حرب المواقع المتداخلة
والحسابات المتكاملة
أحمد علوش
حرب الإبادة تطوي شهرها الخامس وهي مفتوحة على مدى زمني غير محدد يشارك فيها أكثر من طرف من مواقع تبدو متناقضة لكنها في الحسابات متكاملة، وهي في ظاهرها حرب الكيان الاغتصابي الصهيوني على الفلسطينيين، وفي جوهرها حرب أميركا على العرب، بل حرب الغرب كله.
وإذا كانت كل الأطراف تتحدث عن اليوم التالي في إشارة واضحة لما قد يترتب عليها من نتائج، فإن الكل يدرك أن هذه الحرب قد أفرزت نتائج لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها مهما كانت معطيات الميدان ووقائعه، فالمقاومة حققت نصراً حاسماً وكبيراً يفرض تغييراً جوهرياً وأساسياً في مجرى الصراع مستقبلاً لصالح حسمه بزوال هذا الجسم السرطاني من جسد الأمة مما يثير رعب العدو على كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وفي أوساط قطاعات واسعة من تجمع شذاذ الآفاق من مستوطنين ومهاجرين.
وفي خضم هذه الحرب لا بد من قراءة موجزة وسريعة لمواقف كل الأطراف، فبالنسبة للعدو الصهيوني فإنه يسعى قبل وأثناء وبعد هذه الحرب إلى فرض رؤيته للمنطقة وخريطة فنتنياهو في الأمم المتحدة تجيب على كل الأسئلة وهو ينطلق من سعيه لتصفية القضية الفلسطينية، تصفية نهائية، والوصول إلى تطبيع يضمن هيمنته على كامل المنطقة، وكل المسائل الأخرى هي مجرد تفاصيل لذلك، والكل الصهيوني رغم الحديث عن خلافات بين المكونات الأساسية السياسية والعسكرية لا يخرج عن هذا الإطار سواء لاستمرار حرب الإبادة ضد الفلسطينيين والتهجير لأبناء غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن، مع سعي نتنياهو لحسابات شخصية تتعلق بالزعامة واستمراره في الحكم.
الأهم في هذا هو الموقف الأميركي وعموم العالم الغربي الذي تقاطر لإسناد العدو على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية وباختصار أن الحرب على غزة، هي حرب أميركية على كل العرب، تندرج في سياق محاولاتها أحكام سيطرتها على المنطقة، ففي عام 2003 تحدثت كونداليزا رايس عن “شرق أوسط جديد” وكرر الأميركيون الشيء نفسه أيام ما سمي “بالربيع العربي”، وأعادوا الكرة في حرب تموز 2006، وهم اليوم يعودون إلى ما لم يستطيعون تحقيقه في كل المحاولات السابقة، لذلك فإن أي حديث عن خلاف مع العدو هو محاولات خادعة وذر للرماد في العيون فالولايات المتحدة تستطيع لو أرادت وقف هذه الحرب في ساعة إلا أنها للآن تعارض بشدة وقف إطلاق نار دائم، ولا تتحدث إلا عن هدنة إنسانية ومؤقتة، وحرصها الكاذب على المدنيين وضرورة إدخال المساعدات ليس إلا محاولة لتحسين فرص بايدن الانتخابية بعد موقف قطاعات واسعة من الشباب الأميركي ضد حرب الإبادة هذه، وبعد إعلان الهيئات العربية والإسلامية الأميركية إنها لن تصوت له، علاوة على ارتفاع الأصوات المنتقدة داخل الحزب الديمقراطي نفسه، ويظل الشعار الأميركي الدفاع عن حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن النفس.
المسألة الأخرى أن أميركا في سعيها لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة لا تتجاهل ما تعتبره أطراف فاعلة الكيان الصهيوني، تركيا، إيران، وبالطبع هنا يجب ملاحظة أن الأولوية لسيطرة العدو الصهيوني وهيمنته المطلقة على المنطقة، مع مراعاة مصالح إيران وتركيا على قاعدة تفاهم شامل أن لا تخترق مصالح الطرفين سقف المصالح الأميركية أو تتناقض معها، وتتصرف أميركا في هذا الموضوع أن لا دور لأي من أدواتها العرب، وعدم السماح لأي قطب عربي مهماً تابعاً أو خاضعاً أو منبطحاً وبالنسبة لتركيا فإنها تبحث عن مكاسب اقتصادية على مستوى المنطقة وعن مكاسب في مناطقها الحدودية خاصة في سوريا والعراق..
وتعتبر واشنطن أن إيران هي اللاعب الأساسي، بحجم توسعها مع تحريك أذرعها في الوطن العربي وتوظيفها في خدمة مصالحها دون أن يحيد الموقف الأميركي عن الثابت أعلاه، وتعتبر أوساط مراقبة أن الجبهات في البحر الأحمر وأماكن أخرى تصمت متى أرادت إيران ذلك التي أكدت أنها لا تريد توسيع الحرب وأعترف أكثر من مسؤول فيها أن التفاوض بين الطرفين ما زال قائماً في عمان والدوحة، وإدراك الجميع أن لسان حالها للحلفاء قاتلوا ونحن نفاوض أي أننا نقطف الثمار.
على المستوى العربي نستطيع القول أن الموقف الرسمي العربي هو في أدنى درجات الضعف أو الغياب، وهو تعبير عن الأذعان والخضوع إلى حد تبني وجهة النظر الأميركية – الصهيونية من هذه الحرب مع ضرورات تجميلية، وغالبية المعنيين يلفهم صمت أهل القبور، فمصر تغلق معبرها وتمنع المساعدات، وترفض حتى تقديم المساعدة للجرحى والمرضى، والآخرون يسيرون القوافل من دبي إلى السعودية فالأردن فالكيان.
إن موقف الأنظمة العربية هو أسوأ من مواقف الأنظمة العربية التي كانت قائمة عندما وقعت النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948، وهو في مجمله يبدي استعداده للتطبيع رغم حرب الإبادة وأشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، وقمة الرياض العربية الإسلامية تثير السخرية والاشمئزاز.
على صعيد الجماهيري فإن قضية فلسطين تعيش في الوجدان العربي إلا أن حراك الجماهير الذي يعبر عنه بالمظاهرات الغاضبة لم يتعد مظاهر الاحتجاج ولم يستطع لأسباب لا مجال لها أن يتحول قوة ضاغطة تنجح في رفع الحصار عن معبر رفح، أو إجبار أي من الأنظمة على إغلاق سفارة للعدو أو مكتب تمثيل.
أما بالنسبة للفلسطينيين فإن محاولات توحيد الصف الفلسطيني ما تزال خجولة وتحتاج إلى مزيد من الجهود على الرغم من تصريحات جبريل الرجوب بعد لقائه اسماعيل هنية، وما صدر عقب زيارة الرئيس محمود عباس لقطر والحديث عن إيجابية حول انضمام حماس لمنظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، وموافقتها على تشكيل حكومة تكنوقراط رغم سوداوية المشهد يظل اليوم التالي يوماً فلسطينياً بامتياز، ولا بد أن يزهر دم أطفال غزة على الرغم مما يبدو من تناقض بين أميركا وقوى الإقليم الثلاث فمن الواضح أن هناك تكامل وتداخل في المواقع والحسابات