أخبار وتقارير

التَّعْلِيمُ فِي العِراقِ مِنَ القِمَّةِ الى الهَاوِية – تجمع طلبة الرافدين في المهجر

بسم الله الرحمن الرحيم

التَّعْلِيمُ فِي العِراقِ مِنَ القِمَّةِ الى الهَاوِية

من المفروض أن تساهم الديمقراطية في الدول المتقدمة في تحقيق الازدهار والتقدم والنهضة ويتم ذلك من خلال الاهتمام والرعاية بعدة جوانب يأتي في مقدمتها التعليم لما يمثله من أهمية كبيرة في بناء المجتمع وبناء الدولة الحديثة والاستفادة من طاقات الشباب، قادة المستقبل، وتطوير قدراتهم العلمية والمهنية للنهوض ببلدهم وتطويره والوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة، فالتعليم يعتبر المرتكز الأساس في نهوض الأمم وتقدمها وتطورها فهو الحاضنة التي تعد طلبة البلد ليمارسوا دورهم المستقبلي.
إن إعادة بناء الدولة وقطاعاتها ومؤسساتها وكل البنى التحتية التي تتعرض للخراب والتدمير هو أمر يتم خلال فترة قصيرة وربما يعود أفضل من سابقه، إلاّ قطاع التعليم، فإذا ما أصابه الخراب والدمار والإنحدار نحو الهاوية، كما هو حال التعليم في عراق اليوم، فإن الدولة ستتراجع كثيراً في جميع الميادين وستكون نتيجة هذا الدمار كارثية على طلبة العراق وعلى المجتمع برمّته، لأن عملية إعادة بناء النفس البشرية التي ساهم في اعدادها غياب التعليم او التعليم الفاشل او المنحرف، صعبة ومعقدة وتتطلب جهوداً مضنية، وعمل دؤوب وكوادر علمية وأكاديمية متخصصة بالإضافة الى الوقت الطويل الذي تستغرقه عملية إعادة البناء والأموال الهائلة التي تصرف لهذه الغاية.
لقد حظي طلبة العراق في السابق بمستوى مرموق وكانوا متنافسين عالمياً في كل التخصصات، لان التعليم في العراق سابقاً وصل إلى مراحل متقدمة جداً. فمن المعروف عالمياً، ووفق تصنيف الامم المتحدة في السبعينات من القرن الماضي، ان العراق خرج من مصاف دول العالم الثالث في قطاعي الصحة والتعليم، حيث تمكن آنذاك من القضاء على الأمية وحصل على العديد من الجوائز من المنظمات الدولية كونه من البلدان التي قفزت قفزات نوعية كبيرة في قطاع التعليم بمستوياته كافة، حيث تمتع طلبة العراق بشتى انواع الرعاية والدعم وكانت الجامعات العراقية في طليعة التصنيف العالمي للجامعات وكان يقصدها الطلاب العرب والأجانب للدراسة فيها. ولكن وفي ظل المرحلة الراهنة التي تتميز بالفشل والفساد فقد انحدر التعليم بمستوياته كافة إلى مستويات تقترب من الهاوية وانحدر معه مستوى الطلبة الى مستويات متدنية من الاعداد التربوي والعلمي.
لقد كان لهذا الانهيار المريع للتعليم عديد من الأسباب أهمها:
أن أغلب إن لم نقل جميع المدارس الابتدائية متهالكة أو مكتظة بأعداد كبيرة من الطلاب، وأغلب الطلاب يفترشون الأرض ومستوى المعلمين تدنى كثيراً بسبب سوء الإعداد في المعاهد والكليات، كما تفتقد المدارس إلى أبسط الخدمات كالماء والمرافق الصحية وقاعات النشاطات الرياضية والفنية، ولا زالت هناك مدارس طينية ومدارس مبنية من القصب في عراق البترول والمليارات من الدولارات التي تأتي من إيرادات النفط شهرياً. وينطبق هذا الحال على المدارس المتوسطة والإعدادية والجامعات التي انحدر مستوى التعليم فيها إلى مستويات منخفضة جداً، فالجامعات تفتقر إلى قاعات الدراسة المقبولة ولا نقول المثالية، وإلى باقي الخدمات الأساسية الأخرى. اضافة الى ضعف الكوادر التدريسية وقلة خبرتهم، وتبوء عناصر غير كفؤة وغير مؤهلة ولا تمتلك الخبرة والتجربة مناصبَ عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، فالمؤهل الوحيد المطلوب لشغل هذه المناصب هو الانتساب للأحزاب المتنفذة.
وقد ادى التوسع الهائل في سماح الدولة بفتح جامعات وكليات أهلية لا تتوفر فيها أبسط شروط مؤسسات التعليم العالي من كليات وجامعات، الى تحول تلك التشكيلات الاهلية الى شركات تقبل الطلاب الغير مؤهلين من ذوي المعدلات المتدنية جداً مقابل مبالغ مالية، وتمنح الشهادات فيها مقابل مبالغ أيضا. ومن اجل التغطية على كل هذه الممارسات الخاطئة، وشدة الفساد الذي يضرب بها يجري اطلاق اسماء دينية على البعض منها بهدف اثارة المشاعر الدينية او الطائفية واستغلالها لاستقطاب أعداد كبيرة من السذج من ذوي المعدلات المتدنية أو من السياسيين والمسؤولين الحكوميين في بغداد والمحافظات في حين ان الرموز الدينية التاريخية بريئة من اصحاب هذه الجامعات والكليات التي تقبل المتردية والنطيحة، وحتى الذين لا يملكون شهادة الدراسة الإعدادية والمزورين والذين يجلبون شهادات من مدارس دينية غير معترف بها من خارج العراق، حتى أصبح كل السياسيين والمسؤولين وأبناءهم من أصحاب الشهادات بفضل هذه الكليات، بل ومن ذوي الشهادات العليا من الدكتوراه والماجستير، فوقعت المصيبة والكارثة الكبرى في التعليم بعد أن كان مثالاً يحتذى به على مستوى المنطقة والعالم.
ونتيجة لكل ذلك فقد تم سحب الاعتراف من الكثير من المؤسسات العراقية وغاب العراق عن مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2015-2016 لأن التعليم في العراق لا يمكنه الدخول في المنافسة في هذا المؤشر لعدم توفر الحد المعقول من الشروط والمواصفات اللازمة لهذه المنافسة التي كان العراق سابقاً يتنافس عليها بكفاءة وينالها بقوة وباقتدارٍ عالي.
فقد تميز التعليم خلال تلك الفترة بمجانية التعليم من رياض الأطفال وحتى الدراسات العليا التي أتاحت الفرصة أمام جميع فئات المجتمع للتعلم والتفوق، بغض النظر عن المستوى المعاشي، حيث أصبح بمقدور جميع العوائل ومن كل انحاء العراق أن تعلم أبناءها والحصول على الدراسات العليا في الداخل او الابتعاث الى الخارج مجانا وعلى حساب الدولة العراقية.
إن التعليم في العراق اليوم أصبح مهزلة يتندر بها العراقيون، وكأن السياسات المتبعة في هذا المجال تسعى بكل قوة للاضرار بطلبة العراق من خلال تدمير العقل العراقي والمضي به إلى عالم الجهل والتخلف، حتى تتمكن بعض القوى من السيطرة عليه وتوجيهه حيثما شاءت. فقد اصبح في العراق طبقات اقتصادية متباينة تباينا شديداً نتيجة لشيوع الفساد وغياب التوزيع العادل للثروة بين المواطنين. وتم إهمال التعليم الحكومي الذي يضم الطبقات العراقية الفقيرة والمتوسطة، فاهتمت الجهات المسؤولة بالتعليم الأهلي لاسباب التربح البحت. ومن الامثلة على ما تمخضت عنه العقلية التعليمية الهابطة في ظل الظروف الراهنة، أن منعت التجمعات الطلابية في المدارس الحكومية إلا يوماً واحداً في الأسبوع تحت ذريعة الخوف من تفشي وباء كورونا، في حين انها تسمح بذلك للطلاب في المدارس الأهلية والخاصة ولستة أيام في الأسبوع مما يشكل نوعاً من أنواع التمييز الطبقي الصارخ، الذي يتعمد تجهيل واضعاف تمكين الطلبة من ابناء الطبقات الفقيرة في المجتمع العراقي، وبالتالي العمل على تشريدهم في الشوارع حتى يكونوا عرضة للجهل والخرافة والادمان والانحراف بكل اشكاله.
إن الهدف من التعليمات الصادرة بهذا الخصوص هو تدمير المجتمع العراقي من خلال تدمير التربية والتعليم في العراق وتجهيل شعبه.
إن العملية التربوية و التعليمية في العراق وفي ظل الواقع الراهن وغياب الحد الادنى من المعايير الدولية والضوابط وصلت إلى مستوى متدني ويقترب من الهاوية السحيقة، بعد أن كان العراق في مقدمة كل اقرانه العرب وغير العرب.
فإلى أين يريد المسؤولين الوصول بالجيل الصاعد من طلبة العراق وبالتعليم بعد كل هذا الفشل والإخفاقات المتعمَّدة التي تحل به بسبب الكوارث والمآسي نتيجة سيطرة الجهلة وأنصاف المتعلمين على المناصب المهمة في الدولة ومواقع المسؤولية نتيجة للمحاصصة الحزبية والطائفية في تقاسم المناصب الحكومية، ونتيجة لإبعاد الكفاءات الأكاديمية والعلمية والمهنية والخبيرة والمجربة عن مراكز القرار المهمة في هذا القطاع الحيوي.
لقد أوصلوا طلبة العراق إلى الهاوية التي لا يمكنهم الخروج منها إلا بجهود استثنائية ولسنوات عديدة وطويلة، من العمل الدؤوب للقضاء على الجهل والتخلف، لانهم اساس النهضة وعماد بناء المجتمع وتطوره.

تجمع طلبة الرافدين في المهجر
28/1/2024

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى