أخبار وتقاريرقيادات الأقطار

لقيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي والعضو السابق في مجلس السيادة الحاكم في السودان صديق تاور -السودان بعد عامين ونصف من الانقلاب في حالة اللادولة وانعدام الأمن والقانون

عضو مجلس السيادة السوداني السابق صديق تاور لـ”القدس العربي”:
السودان بعد عامين ونصف من الانقلاب في حالة اللادولة وانعدام الأمن والقانون
الحرب لم تصل بعد إلى نقطة اللاعودة
الانقلاب ذروة سنام المؤامرة والمكون العسكري افتعل ذرائع واهية، لينفرد بالسلطة
حاورته: ميعاد مبارك

قال القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي والعضو السابق في مجلس السيادة الحاكم في السودان صديق تاور، إن الحرب المندلعة في البلاد منذ أكثر من عام، لم تصل بعد إلى نقطة اللاعودة على الرغم من أنها تسير نحوها، مؤكدا في حواره مع «القدس العربي» على الضرورة الملحة لاجتماع القوى الوطنية في البلاد حول مائدة مستديرة من أجل الخروج من نفق الحرب المظلم. “الهدف” تنشر الحوار لأهميته:
○ بداية، ما هو تقييمكم للأوضاع على الأرض في السودان، بينما تتسع رقعة الحرب المندلعة منذ أكثر من عام.
* بعد عام كامل من حرب شركاء الانقلاب على ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018 انتشر الحريق في كل جغرافية البلاد، ولم تعد هناك رقعة آمنة، حتى تلك التي لم يشملها مسرح العمليات، حيث صارت البلاد معسكر نزوح شامل فيما يعد أكبر كارثة إنسانية على مستوى العالم. وانتفت الحياة الطبيعية، بانعدام الأمن وانتشار السلاح والفوضى العارمة. كما تعطلت الزراعة والتجارة والتعليم والخدمات وكل شيء. باختصار السودان بعد حصاد عامين ونصف من انقلاب البرهان- حميدتي على السلطة المدنية الشرعية، أصبح في حالة اللادولة وانعدام الأمن والقانون، كما يتم دفعه نحو التمزق والتفتت، وهي جريمة لن تغتفر وعليهما دفع الثمن.
○ باعتبار تجربتك كعضو في المجلس السيادي السوداني في الفترة الانتقالية، كيف تشكلت بداية الخلافات بين الجيش والدعم السريع؟
* في فترة وجودنا بالمجلس السيادي، وبرغم وجود ما عرف بالمكون العسكري في المجلس إلى جانب المكون المدني، ولكن لم يكن من الممكن الحديث عن علاقة بين الجيش والدعم السريع، لا على صعيد المجلس ولا على صعيد قادة الجيش بشكل عام، بل على العكس كانت هناك جفوة واضحة بين القوتين، وكبار الضباط عامة، لم يكونوا متقبلين لفكرة وجود قوة موازية ومنافسة لهم. أكثر من ذلك لم يكن هناك ود بين كباشي والعطا من جهة وحميدتي من جهة أخرى وصل في بعض الأحيان لدرجة القطيعة.
الوحيد الذي كان على صلة وثيقة وبشكل لافت ومثير للريبة هو البرهان الذي وظف وضعه ونفوذه على رأس المؤسسة العسكرية في تقوية نفوذ قائد الدعم السريع. الواضح بطبيعة العلاقة بينهما وقتها، وجود ملفات سرية لا يعلمها بقية أعضاء المكون العسكري.
فالعلاقة ظلت قوية بينهما واشتركا في التآمر على السلطة المدنية، في أكثر من مرة. مثلا رفضا توجيه قوات لتأمين طريق بورتسودان من الإغلاق بعد أن أعلن محمد الأمين ترك نيته القيام بذلك. وترك نفسه صرح أثناء قفل ميناء بورتسودان أنه تحت حماية البرهان وحميدتي. وكذلك رفضا تأمين الميناء، وسهلا مهمة جماعة الاعتصام أمام القصر الرئاسي- مجموعة ساندت الانقلاب- وهكذا وباستمرار كانا يهددان بقدرتهما على جر البلاد للحرب والفوضى، إلى أن اشتركا في المؤامرة الأكبر بتنفيذ انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021 حيث ظهر الخلاف بينهما بعد أسابيع قليلة من الانقلاب.
○ هل بدى وقتها أن البلاد تمضي نحو الحرب؟
* قبل الانقلاب لم يكن هناك ما يشير إلى أن البلاد تتجه نحو مواجهة مسلحة، لأن المواجهة كانت بين الجماهير السودانية المتمسكة بالنضال السلمي من أجل سلطة مدنية كاملة، وبين تحالف الانقلابيين بمن فيهم عناصر نظام الإسلامويين وجيوبهم في الأجهزة الأمنية المختلفة الحالمين بالعودة للسلطة. وقد كان البرهان على رأس «تحالف الردة» يلعب على جميع الحبال ويناور على الجميع.
بعد الانقلاب استدرك «حميدتي» أن صديقه «اللدود» كان يستخدمه هو أيضا لحساباته الخاصة على طريقة الرئيس السابق عمر البشير. بمعنى استخدامه لتحجيم الجيش وتثبيت نفسه على قمة السلطة. كما تكشف له تعاونه مع تنظيم الإخوان دون إشراكه في ذلك، وهؤلاء لهم ثاراتهم معه كونه لم يحم نظامهم من السقوط في نيسان/أبريل 2019 هكذا شعر «حميدتى» بالخيانة وبدأ يفكر في حماية نفسه من صديقه «اللدود».
○ ما هي الخطوات الاحترازية التي لو اتخذت مع بداية تشكل حكومة الثورة، ربما كانت لتقلل احتمالات اشتعال الحرب؟
* كان المطلوب التقيد والالتزام ببنود الوثيقة الدستورية ونصوصها بشكل دقيق. هذا كان يستوجب تماسك الكتلة المدنية سياديا وتنفيذيا وسياسيا، الأمر الذي لم يحدث. بعض المدنيين كانوا في صف المكون العسكري ولا مانع لديهم من التكتيك معه وتمرير مؤامراته بلا حياء.
في المرحلة الأولى كان المكون العسكري على استعداد للاستجابة تحت الضغط. وفي أكثر من مناسبة كان «حميدتي» يؤكد عدم ممانعته من معالجة وضع الدعم السريع. ولكن تدريجيا تمكن المكون العسكري بوسائل عديدة، من التأثير على القوى المدنية خاصة بعد توقيع اتفاق سلام جوبا وبذلك تغيرت المعادلة.
○ هل يمكن اعتبار 25 تشرين الأول/ أكتوبر بداية للتداعيات التي قادت البلاد إلى الحرب؟
* بكل تأكيد الانقلاب هو ذروة سنام المؤامرة. افتعل المكون العسكري ذرائع واهية، لكي ينفرد بالسلطة، بعد أن انتهت دورة رئاسته للمجلس السيادي وما يترتب على ذلك من تولي المكون المدني رئاسة المجلس. طيلة وجود البرهان على رئاسة المجلس كان يوظف موقعه لصناعة العقبات والعراقيل أمام الانتقال المدني وتعطيل ملفات أساسية بالمماطلة والتسويف، مثل المحكمة الدستورية. وأحيانا يتصرف بشكل متفلت لإرباك عمل مجلس الوزراء مثل زيارة عنتيبي حين التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقاعدة الروسية، فهو لم يثبت ولو لمرة واحدة أنه مع رغبة الشعب السوداني وثورته بل باستمرار ضده بعداء «سافر غريب» هو رأس الرمح في التآمر على السلطة الانتقالية وتعطيلها.
○ ما تزال تحتدم المعارك، وتتمدد وسط تحشيد وتجنيد للمدنيين على أساس مناطقي وإثني، وانتشار المجموعات المسلحة، والاصطفاف الحاد، كيف تنظرون لتداعيات عسكرة الفضاء المدني والانتشار الكثيف للسلاح في البلاد؟
* ما يحدث هو مسؤولية قيادة الجيش والدعم السريع. كلاهما يمثل دور الضحية في خطابه المعلن، وفي نفس الوقت سلوكهما العملي يفيد بأنهما، يفعلان بالبلاد والعباد كل هذا التدمير والتقتيل والتشريد، عمدا ووعيا. اندلعت المواجهات في العاصمة قبل أكثر من سنة، بمبررات إذا كانت صادقة فعلا، لما كان ينبغي أن تتسع دائرة الحرب جغرافيا، ولا أن تنتقل لولايات أخرى، ولا أن يتم تدمير البنية التحتية ولا انتقال المعارك للأسواق والأحياء السكنية أو الطرق القومية أو منشآت الدولة.
الطرفان يدمران البلد ويقتلان الشعب الأعزل بمنتهى البرود. ويتسابقان منذ الأسابيع الأولى للحرب إلى جرها إلى مستنقع الفتنة الجهوية والقبلية. وانتقلت المواجهات لمعاقبة المواطنين الأبرياء بابتداع مفردة الحواضن الاجتماعية. وهذا تفكير غير مسؤول. إن مساعي عسكرة الحياة بالتحشيد تحت شعارات الاستنفار والتعبئة الجهوية والقبلية، يعقد المشهد أكثر وأكثر، خاصة إذا انتبهنا إلى أن هذه الحرب وقودها الأساسي هم من فئة الشباب. أيا كان من هذا الطرف أو ذاك، فإن شباب السودان يدفع ثمن حماقات ومؤامرات لا يد له فيها.
لقد أخطأت قيادة الجيش عدة مرات، أولا عندما تناست أنها قيادة مؤسسة نظامية عريقة، لها تقاليدها، وتصرفت بذات مستوى الدعم السريع الذي هو في أحسن الأحوال قوات (شبه نظامية) وجارتهم في السلوك ولغة الخطاب والممارسات والإعلام وهذا أمر مؤسف.
وثانيا عندما رهنت مستقبل مؤسسة مثل القوات المسلحة، لتكتيكات «فلول» الحركة الإسلامية من أمثال علي كرتي وسناء حمد وإبراهيم غندور وأنس عمر، وغيرهم.
وأيضا عندما غيبت ناطقها الرسمي كمؤسسة دولة، وسلمت إعلامها لنشطاء يتحدثون إنابة عن الجيش السوداني بكل خبرته الإعلامية الطويلة، ثم سماح قيادة القوات المسلحة لبقايا جيوب «الإسلامويين» الأمنية أن تتداخل معها عملياتيا بلا ضوابط ولا سيطرة عليها، فظهرت مشاهد بشعة مثل قطع الرؤوس وتقطيع الأوصال والأحشاء وحرق الجثث والتمثيل بها وذبح الأسرى ودفن بعضهم أحياء، يتم تصويرها ونشرها في الفضاء المفتوح لكل الدنيا. ولا ندرى بأي وجه يقابل هؤلاء القادة جيشهم قبل شعبهم. كيف يثبت هؤلاء أنهم حريصون على الجيش الذي هم على رأس قيادته. لقد تعرض الجيش السوداني تحت قيادة البرهان «اللامسؤولة» لهزات لم تحدث لأي جيش في العالم. فقد خسر الآلاف من أبنائه أرواحهم من أجل لا شيء، وتدمرت أغلب قدراته اللوجستية والتسليحية، وتعرضت سمعته للإهانة وكرامته للامتهان. كل ذلك من أجل أن يجلس هو على رأس سلطة قاعدتها جماجم الشعب وأشلاء البلد.
○ تتصاعد التحذيرات من معركة مرتقبة في الفاشر، قد تكون مقدمة لانقسام البلاد، وتشكل حكومتين على أقل تقدير؟
* التصعيد الأخير في الفاشر هو أمر خطير للغاية، حيث تعتبر الفاشر عاصمة لإقليم دارفور وهي المدينة الوحيدة التي تبقت بعيدا عن سيطرة الدعم السريع، وصارت بذلك ملاذا لحوالي مليون مواطن يبحثون عن الأمن والأمان والحياة. نقل المواجهات لداخل المدينة، بين قذائف الدعم السريع وقذائف طيران الجيش، أدى لوضع هؤلاء المغلوبين على أمرهم في محنة إنسانية حقيقية. أضف لذلك الأبعاد الاجتماعية للمجموعات الدارفورية المسلحة وانعكاسها على الصراع المسلح هناك.
○ برأيك إلى أي مدى قد يؤثر سقوط الفاشر على جهود إنهاء الحرب؟
* سقوط الفاشر، يعني أن إقليم دارفور بولاياته الخمس قد خرج عن سيطرة السلطة المركزية تماما، وصار تحت رحمة قوى مسلحة متوزعة داخليا على مناطق نفوذ مختلفة. هذا في حد ذاته يفتح باب التفتت الداخلي للإقليم على طريقة ما حدث في جنوب السودان بعد انفصاله عن السودان. ومع انفتاح هذا الإقليم على ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، فإن التداعيات على كل الإقليم سوف تكون أكبر من قدرة الجميع على لملمتها والتحكم في مآلاتها أفريقيا ودوليا. المشكلة أن من يدفعون الأمور نحو هذا التصعيد الكارثي لا ينظرون لأبعد من موطئ أقدامهم.
○ تمضي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» نحو مؤتمرها التأسيسي، حيث كثفت دعواتها ولقاءاتها مع الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية من أجل حشد تحالف واسع، البعث رفض دعوة المشاركة في المؤتمر لماذا؟
* تنسيقية «تقدم» هي بعض من القوى المدنية وليست كلها. وهي تريد أن تلعب دور الكل في ظرف لا يحتمل تشتيت الجهود، وليس للبلد مصلحة في هذه الطريقة. نحن نقدر النوايا التي ينطلقون منها، ولكن الأزمة أكبر من العواطف ومن التكتيكات. ولا أتصور أن هذه الطريقة ستسهم في حل الأزمة الحالية، بل هي إعادة إنتاج أخطاء سابقة دون التعلم من التجارب المريرة وكلفتها الباهظة. المطلوب جبهة مدنية حقيقية تشمل جميع القوى الرافضة للحرب واستمرارها، والعمل على وقفها وتدارك آثارها وعودة الحد الأدنى من الحياة الطبيعية، من أجل استئناف مسيرة التحول المدني الديمقراطي. هذه الجبهة لن تتحقق بالطريقة التي تنتهجها مجموعة «تقدم».
حزب البعث رفض دعوة «تقدم» ببساطة لأنه ليس عضوا فيها ولم يشارك منذ البداية في اجتماعاتها التحضيرية لذلك من الطبيعي أن يعتذر عن المشاركة في اجتماعها التأسيسي.
○ انسحب الحزب من تحالف الحرية والتغيير كذلك بالتزامن مع الاتفاق الإطاري الذي كان ينتظر أن يفضي إلى تفاهمات لاستعادة الحكم المدني في البلاد؟
* انسحب من مركزية الحرية والتغيير، عندما لم يقتنع الآخرون بتحفظاته الجوهرية على الاتفاق الإطاري، وعلى رأسها إعادة إنتاج التحالف مع ذات المكون الذي انقلب على السلطة المدنية، وبدون أي ضمانات لعدم تكرار ذات سيناريو 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021. أيضا الرهان على القوى الدولية وليس الشعب السوداني وقواه الحية، إضافة للاتجاه نحو حلفاء النظام «البائد» على حساب جهود توحيد قوى الثورة، وقد سارت الأحداث لتؤكد ما كنا ننبه له ونحذر منه.
○ تحدث البعث في موقفه بخصوص المشاركة في المؤتمر التأسيسي لـ«تقدم» عن مساعيه لأن تفضي الجهود والتحركات إلى سلطة مدنية حقيقية، أليست ذات الأهداف التي أعلنتها «تقدم»؟
* نعم الأهداف إلى حد ما واحدة، على الأقل في حدود وقف الحرب، ولكن وسائل بلوغها مختلفة بقدر كبير. لبناء جبهة مدنية حقيقية من المهم أن نحدد الأهداف بشكل دقيق يمنع الاختلاف والانقسام مستقبلا، وأن يكون ذلك بشكل تشاركي متساو وشفاف، وليس مجرد إلحاق للآخرين في أمور محسومة.
○ تحدث الحزب كذلك عن مساعيه لحشد تحالف واسع وفق برنامجه، ألا ترى أن تمسك الأحزاب والتنظيمات السياسية ببرامجها على نحو متشدد سيؤدي إلى تشكل تحالفات صغيرة عديدة ربما يكون أثرها محدودا بالمقارنة مع أهدافها التي ربما تستدعي تحالفات واسعة لتشكيل الضغط الكافي؟
* تواصلنا مع «تقدم» في أكثر من جلسة نقاش عبر لجنة مشتركة للحوار حول كيفية تأسيس جبهة مدنية حقيقية تستوعب الجميع بندية وتوافق، تستعيد بموجبه الكتلة المدنية قوة دفعها وفاعليتها. هناك نقاط التقينا عليها وأخرى تفرقنا عندها. النقطة الأهم هي أولوية العمل من أجل وقف الحرب وتدارك آثارها الإنسانية والاجتماعية، وتوحيد الموقف إزاء خطاب الكراهية والفتنة ودعوات تفتيت البلاد وتقسيمها.
وافترقنا عند ربط جهود وقف الحرب بأي تسوية سياسية تفتح باب يتسلل عبره طرفا الحرب وحلفاؤهم بأي صيغة من الصيغ. اقترحنا أن يعمل الجميع على بناء الجبهة المدنية الحقيقية مع الآخرين، بدلا من دعوتهم للالتحاق بتحالف جاهز يعاني من مشكلات كثيرة.
لذلك اعتمدنا حتى الآن على التنسيق الميداني بيننا في العناوين المتفق عليها مع احتفاظ كل طرف بمواقفه في القضايا المختلف حولها.
○ ما هي الأولويات التي يجب أن تعمل عليها القوى المدنية في هذه المرحلة من وجهة نظركم؟
* هذا سؤال في غاية الأهمية، ويتبعه سؤال حول ما الذي بمقدورها أن تفعله في حال توحدها، في ظل عسكرة الصراع بعد حرب 15 نيسان /أبريل 2023. مطلوب أولا إعادة ترتيب الأولويات الوطنية، وفقا للتحديات الجديدة التي أفرزها واقع الحرب بما يحافظ على وحدة البلاد وتماسك الشعب وتجنيبها منزلقات الانقسام والتفتت، وكيف نحمي شعبنا من الوقوع في مستنقع الفتنة والحروب الداخلية، المدخل لذلك هو الضغط لوقف الحرب بشكل فوري وبلا أية شروط. القوى السياسية لا تكون فاعلة ومؤثرة بمعزل عن السند الشعبي، الذي لا يتأتى بدوره في المنابر الخارجية والأسافير والفضائيات، وإنما بالتواجد مع الناس أينما كانوا ومشاركتهم في كل التفاصيل.
○ هل هناك أي تطورات في تفاهماتكم مع القوى السياسية الأخرى بخصوص بناء الجبهة الشعبية العريضة؟
* نعم، ظللنا على تواصل مستمر وحوارات مع كل القوى الوطنية تقريبا، باعتبار شركاء ومسؤولية وطنية. نستطيع أن نقول إننا جميعا متفقون على العناوين الرئيسة للأزمة الوطنية وعلى حد ما على آليات مواجهتها، وهذا أمر يبعث للتفاؤل والأمل. ابتدرنا حوارات مع أحزاب الشيوعي والأمة والاتحادي الديمقراطي (المركز العام) وحركة جيش/تحرير السودان، وتقدم وآخرين. في تقديرنا أن مائدة مستديرة تجمع القوى الوطنية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ بلادنا هي ضرورة ملحة للخروج من نفق الحرب المظلم.
○ هناك حديث عن ضعف في تحركات البعث بينما تتمدد الحرب ويتطاول أمدها في السودان، ما ردكم بالخصوص؟
* لا أعتقد ذلك، من خلال الجهد الذي نبذله مع الآخرين، وفي ظروف الحرب الممتدة بطول البلاد وعرضها، والاستهداف الذي تتعرض له القوى المدنية عموما، وعبث الفلول بمؤسسات الدولة العدلية والأمنية وتوظيفها بشكل كيدي انتقامي، لا نعمل في ظل ظروف طبيعية بما يتضمن البلاغات الكيدية ضد أمين سر حزب البعث وعدد من أعضائه وقيادات مدنية أخرى فقط لأننا ندعو لوقف الحرب، كأنما المطلوب هو توطين هذه الحرب كواقع يتعايش معه السودانيون للأبد. نحن موجودون مع شعبنا وكل قياداته المدنية، نقوم بما نعتقد أنه واجبنا، وقد فقد الحزب خلال هذه الحرب أكثر من عشرة من قياداته بقذائف طرفي الحرب في عدد من الولايات السودانية.
○ وقع عبد الله حمدوك بصفته رئيس الوزراء السابق على إعلان سياسي مع قادة الحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، انقسمت المواقف حول الإعلان، الذي نص ضمن عدة بنود على حق تقرير المصير وعلمانية الدولة، ما رأيكم بالخصوص؟
* توقيع حمدوك على إعلان نيروبي، أثار جدلا داخل «تقدم» قبل الآخرين. فاللقاء تم دون مناقشته مع مجموعته، رغم أنه اعتاد على تقديم نفسه كرئيس لـ «تقدم» وليس كرئيس وزراء سابق حسب ما وصفه الإعلان، الموضوع إجمالا مثار تساؤلات تزيد من ارتباك الصف المدني.
كذلك استسهال الحديث في قضايا حساسة وخطيرة ذات صلة بمستقبل البلاد أمر مريب. فمثل هذه القضايا لا يتم تناولها بالمهارات الفردية والاجتهادات الفوقية، خاصة والبلد في مرحلة لا تحتمل أي مغامرات.
من حيث المبدأ لقاء أي قوى وطنية سودانية من أجل وقف الحرب هو شيء جيد، لكن لكل مقام مقال.
○ منذ اندلاع الحرب السودانية منتصف نيسان/ابريل الماضي ابتدرت عدة جهات خارجية وداخلية مبادرات لإنهاء الحرب إلا أن جميعها لم يستطع إحداث اختراق يذكر؟
* فعلا منذ الأيام الأولى للحرب ظهرت عدة محاولات جادة وصادقة لوقف الحرب، لكن الطرفين لم يبدر منهما أي حرص على الاستجابة لها، حيث كان يراهن كل منهما على الحسم العسكري. بعد أكثر من عام، ثبت أن هذا الطريق مسدود وتكلفته باهظة للطرفين، الآلاف من المقاتلين فقدوا أرواحهم، دون أن يتغير ميزان القوى العام. الجيش انحصرت سيطرته في ولايات محدودة، وتركت قيادته العاصمة الخرطوم، بما فيها القيادة العامة للجيش والقصر الرئاسي، لتبحث لها عن عاصمة بديلة على شاطئ البحر الأحمر، والدعم السريع يتمدد جغرافيا على حساب سمعته وعلاقته بالشعب، بعد أن فقد السيطرة على أغلب مقاتليه، الذين تتحكم فيهم عقلية الغنيمة.
○ هناك دعوات للعودة إلى منبر جدة التفاوضي، هل تعتقدون أنها ذات جدوى؟
* ظل منبر جدة منذ أيار/مايو 2023 الوحيد العامل على وقف الحرب في السودان، المساعي الأخرى كلها لم تخرج من عباءة هذا المنبر. مع ذلك لم يحرز تقدما يذكر لعدم وجود آلية ضغط جادة.
○ ما المطلوب من المبادرات لإحداث اختراق ينهي الأزمة السودانية؟
* المطلوب أولا تحميل الطرفين المسؤولية القانونية والإنسانية عن أي فعل يعزز استمرار الحرب، وتحميلهم تبعات الانتهاكات والفظائع كجرائم حرب وتسمية الأشياء بمسمياتها، وثانيا الضغط على الأطراف الخارجية التي تغذي الطرفين بالمال والسلاح، بكف يدها عن المسرح السوداني. ثالثا تصنيف القوى الداعمة للحرب مدنية أو مسلحة، مع أي طرف كشركاء في جرائم الحرب، وأخيرا إفساح المجال للقوى المدنية الرافضة للحرب، حتى تقول كلمتها من دون تدخل أو ابتزاز باعتبارها المعبر عن ملايين السودانيين ضحايا هذه الحرب العبثية.
○ هناك دعوات لتدخل قوات دولية لاستعادة الاستقرار في البلاد، ما رأيكم؟
* تجربة استقدام قوات دولية فيها الكثير من المحاذير والمخاطر، وفي نفس الوقت لم تعد المنظومة العسكرية والأمنية السودانية، بعد الانقلاب واندلاع الحرب هي تلك التي يمكن الاعتماد عليها في استعادة الدولة، خاصة بعد أن سلم قادة الجيش، مفاتيح حساسة لفلول الحركة الإسلاموية يوظفونها على هواهم، ويعبثون بها كيفما شاءوا، وإعادة جهاز أمن النظام السابق بصلاحيات أوسع وحصانات من الانتهاكات والفظائع. لذلك فهذه معادلة صعبة، تحتاج دراسة فاحصة تحقق عودة الأمن والاستقرار، وتحافظ على البلاد وسيادتها، وفي ذهننا تجارب سابقة مع هذه القوات، كانت سيئة جدا، في فترة اتفاق سلام جبال النوبة واتفاق نيفاشا 2005.
○ ظلت قضية وصول المساعدات الإنسانية ومسارات وصولها مثار جدل واسع، ولعل آخر تداعياتها فشل مفاوضات الحكومة والحركة الشعبية بقيادة الحلو بالخصوص، كيف تنظرون إلى التداعيات بالخصوص؟
* مسألة المساعدات الإنسانية ينبغي أن لا تربط بأي قرارات سياسية، لأنها تتعلق ببقاء الناس على قيد الحياة. وهي قضية إنسانية تتعلق بضحايا الحرب، ومن واجب جميع الأطراف عدم المساومة عليها، لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية.
مؤخرا صدرت اتهامات متبادلة بين الحركة الشعبية والجيش السوداني، فيما يلي المباحثات حول وصول المساعدات الإنسانية، كل يلقي باللائمة على الطرف الآخر، والمحصلة في النهاية أن المواطنين لن يتلقوا أي عون إنساني وهذا شيء مؤسف، وتداعياته خطيرة. نحن أمام كارثة إنسانية يصعب وصفها.
○ شهدت الحرب السودانية انتهاكات واسعة طالت المدنيين والبنية التحتية للبلاد، فضلا عن تصفية الأسرى ومزاعم الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات، ما هي رسالتكم للقادة العسكريين بالخصوص؟
* رسالتنا لقادة المتقاتلين من الطرفين، أنه أيا كانت مبررات الحرب لهذا الطرف أو ذاك، فإن الحروب تاريخيا وإنسانيا، لها أخلاقها وأعرافها وقيمها وتقاليدها، التي غابت تماما في هذه الحرب العبثية. إهانة الأسرى وإذلالهم، القتل على أساس الهوية، نشر خطاب الكراهية، التمثيل بالقتلى وإساءة استخدام الدين، نهب الممتلكات والسلب، الاغتصاب، تدمير البنية التحتية، الدعوة لتقسيم البلد، وترويع وتشريد سكان المدن والقرى، قطع أرزاق الناس والعبث بأرواحهم ومقدرات بلادهم، لمصلحة من يحدث كل هذا؟ اتقوا الله في عباده السودانيين إذا كنتم تؤمنون به حقا. لقد كتبتم أسماءكم في أحلك صفحات التاريخ السوداني والإنساني سوادا.
○ البعض يرى أن الحرب السودانية وصلت إلى نقطة اللاعودة، ما رأيكم؟
* لم تصل نقطة اللاعودة بعد، إلا أنها تسير نحوها، مع احتمال توطين الحرب كواقع يتعايش معه الناس، بسبب طول أمدها وانسداد أفق الحل. المستقبل تقرره الجماهير السودانية الصابرة على هذه المحنة، ولا يقرره حامل البندقية مهما كانت قوته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى