طليعة لبنان الواحد

كلمة الطليعة…… مقاومة الاحتلال والتصنيف الوطني

كلمة الطليعة

مقاومة الاحتلال والتصنيف الوطني

 

تطوي عملية “طوفان الاقصى” شهرها الخامس دون بروز مؤشرات على قرب وقف الحرب التدميرية التي يشنها العدو الصهيوني على قطاع غزة بمدنه واريافه ومخيماته والتي تترافق مع شمول الضفة الغربية بما فيها القدس بحملة واسعة من الاعتقالات والاغتيالات وتدمير المنازل . واذا كان عدد الذين سقطوا ضحايا هذا العدوان المتمادي على غزة قد فاق المئة الف ضحية بين شهيدً وجريح دون احتساب المفقودين ا لذين مازالوا تحت الانقاض ،فان الذين سقطوا جراء عمليات الاغتيال والتصفيات الجسدية قد بلغ المئات في الضفة الغربية والالاف ممن زج بهم في معسكرات الاعتقال ومصيرهم مجهولاً.
ان هذه الحرب العدوانية التي تدخل شهرها السادس ، هي الاطول في جولات المواجهة العسكرية بين كيان الاحتلال والمقاومة الفلسطينية منذ اغتصاب فلسطين وحتى تاريخه.وهي لم تنطوِ على تطور نوعي في مداها الزمني وحسب وإنما انطوت ايضاً على تطور نوعي في الادارة الميدانية للعمليات العسكرية سواء ذاك الذي تجسد في اقتحام دفاعات العدو واختراقها والعودة بصيد ثمين من الاسرى من عسكريين ومجندين ومستوطنين فضلاً عن الخسائر المادية في منشاءات العدو العسكرية والامنية ، او هذا الذي يتجسد في مسرح العمليات على مساحة غزة من شمالها الى جنوبها.
إن المقاومة التي فاجأت العدو في السابع من اكتوبر بدخولها الى عمق غلاف غزة ،والعودة بصيدها الثمين من الاسرى وهو احد اوراق القوة بيدها ، لم تكن هذه هي مفاجأتها الوحيدة للعدو، بل المفاجأة الاهم هو التصدي لقوات الاحتلال وانزال خسائر فادحة فيها رغم عدم التكافؤ في موازين القوى العسكرية ، والصمود الذي فاق حدود التصور والمعقول في مواجهة الة الحرب التي لم توفر بشراً ولا حجراً ولا مرافق خدمية وانسانية وكل ماله صلة بضرورات الحياة الاولية .
واذا كانت عمليات التصدي يعود الفضل فيها الى تشكيلات المقاومة وادارتها اللوجستية للمعركة ، فإن عملية الصمود يعود الفضل فيها للشعب ، الذي رغم ماتعرض له من جرائم حرب ارتقت حد جرائم الابادة الجماعية بقي متشبثاً بارضه متنقلاً بين حواضرها وارجائها دون ان يغادر نطاقها الجغرافي. وهذا مادفع العدو لان يعتبر ان المقاومة بقيادييها وعناصرها وبناها التحتية ليست هي وحدها المستهدفة من عملياته العسكرية ، وانما اعتبر كل فلسطينيي غزة هم هدف عسكري ، وعلى اساسه تم التعامل مع هذا الهدف باعتباره يشكل خطراً على العدو انطلاقاً من حقيقتين : الاولى ، ان الاستهداف الصهيوني الاساسي موجه ضد شعب فلسطين عله بذلك يلغي وجوده المادي اثباتاً لنظريته ان فلسطين هي ارض بدون شعب ، وان اهل فلسطين قبل الاغتصاب وبعده هو سكان لاهوية وطنية لهم ، وبالتالي لاحق لهم باية حقوق اساسية وخاصة حق امتلاك هوية وطنية يتم بالاستناد اليها المطالبة بحق تقرير المصير . الثانية ، ان الكتلة الشعبية بكل طيفها المجتمعي شكلت حاضنة لقوى الفعل المقاوم بغض النظر عن الهوية السياسية لفصائله . وهذا يعني ان الوعي الشعبي الفلسطيني شكّل حالة متقدمة في فهمه لطبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني مع ادراكه العميق ان الاقتلاع من الارض والالغاء للهوية إنما يستبطن العقل السياسي لكيان العدو الذي يمارس سياسة الفصل العنصري بحق سكان البلد الاصليين ، اسوة بما مارسه النظام العنصري في جنوب افريقيا ، كما ذات الاسلوب الذي انتهجه مستعمرو اميركا مع سكان البلاد الاصليين الذين تعرضوا لعمليات ابادة جماعية.
على قاعدة هذا الواقع، فان العدو الصهيوني الذي واجه بتوغله العسكري في غزة ، تحدي مقاومة عسكرية فاعلة ، وتحدي صمود شعبي فاق بقدرة التحمل حدود التصور الانساني ، بات امام مأزق عدم الوصول بحربه الى مستوى تحقيق هدفه المعلن وهو القضاء على “حماس ” واسترداد الاسرى ، والمضمر ، افراغ غزة من سكانها ،تمهيداً لاعادة اغراقها بالمستوطنات على غرار ماحصل وما هو حاصل في الضفة الغربية والنطاق الجغرافي لمدينة القدس.
عندما يكون الهدف الصهيوني الاساسي ، هو “التطهير” العرقي لفلسطين من سكانها مع استتباع اسقاط الهوية الوطنية الفلسطينية ، تبطل المواجهة مع العدو الصهيوني ان تكون مواجهة ببعد سياسي وحسب ، لانها في حقيقتها وابعادها الفعلية تصبح مواجهة ببعد وطني مفتوح على افقه القومي. وعندما يكون الامر كذلك ، فان المواجهة ذات البعد الوطني هي مواجهة تعني الشعب بكليته . والحالة التي يعيشها الشعب وهو يواجه مخطط الاقتلاع والتهجير واسقاط الهوية تكون مندرجة تحت عنوان “مرحلة التحرر الوطني” التي تستوعب في أُطرِها كل قوى المقاومة على تنوع عناوينها السياسية. ومن طبيعة هذه المرحلة أن التناقضات الاساسية التي ترتقي في مثل حالة الصراع مع العدو حدّ التناقض الوجودي والتي هي اعلى من التناقض العدائي ، تتقدم على أي تناقض اخر بين القوى التي تقف على ارضية الموقف الوطني الذي تقاوم قواه المحتل وبغض النظر عن طبيعة الاختلافات العقائدية والسياسية.
ان العدو عندما يكون هدفه المعلن انهاء “حماس” ، وهي التنظيم الذي يتصدر العنوان السياسي للمقاومة في عملية “طوفان الاقصى” ، ويكون هدفه المضمر التطهير العرقي واسقاط الهوية الوطنية لعموم شعب فلسطين ، فإن الهدف المضمر يكون هو الاصلي ، فيما المعلن يكون في خدمة المضمر .وهذا مايجب ان يكون مدركاً، اولاً ، من قبل “حماس” ومن يتماهى معهافي البناء العقائدي والعلاقات السياسية مع الداخل الفلسطيني والخارج ، كما ادراكه ،ثانياً، من قبل القوى التي تختلف معها ومن يتماهى معها عقائدياً وسياسياً. واذا كانت هذه الخلافات والتباينات هي ظاهرة صحية في الاجتماع السياسي الذي لايواجه احتلالاً كالذي هو من طبيعة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني ، فهو ليس صحياً ، بل هو “فايروس” قاتل اذا وصل الاختلاف والتباين بين الاطراف والفصائل حد التصادم والالغاء في الاجتماع سياسي الذي يرزح تحت الاحتلال.
على اساس هذا التشخيص لطبيعة الصراع مع العدو ، فإن كل فصيل يقاوم الاحتلال إنما يؤدي دوراً ووظيفة وطنية بالنظر لطبيعة الاهداف التي ينشّدُ اليها بفعله المقاوم.ولهذا عندما تتم الدعوة الى توحيد الموقف والقوى في مواجهة المحتل ، فهذه الدعوة تمليها الضرورة الوطنية التي تتطلب توحيد القوى والجهد في مواجهة عدوٍ يطرب للانقسام السياسي بين القوى المقاومة كي يلعب على تناقضاتها ، ويحزن لتوحيد الموقف السياسي واليات العمل لقوى الفعل المقاوم .
مما لاشك فيه ، ان القوى الدينية سواء تلك التي تكون بيئتها الشعبية التي تنشط فيها، تنتمي الى الخط الاكثري من التشكل السكاني في اطار مكون وطني اوقومي ، او تلك التي تكون بيئتها الشعبية التي تنشط فيها تنتمي الى الخط الاقلوي ، لاتحكمها العلاقات الايجابية مع القوى الوطنية والعلمانية لانعدام التوافق معها على ارضية موقف سياسي حيال ادارة الصراع الداخلي في اطار الكيانات الوطنية او القومية ، لكن هذا الامر يختلف عندما يكون الفعل السياسي متمحوراً بالدرجة الاساس حول مقاومة الاحتلال ، حيث الصراع لاتشده التجاذبات السلطوية ، وانما الصراع مع من يحتل الارض ويضع الجميع في خانة واحدة من العداء معه. وهذا مايجعل كل معركة معه في اطار الصراع المفتوح معركة وطنية بامتياز ومعها يكون موقع مقاوم الاحتلال في خانة التوصيف الوطني .
من هنا فان كل القوى التي تمارس عملاً مقاوماً ،إنما تصنف قوى وطنية بحكم طبيعة الاهداف التي تعمل لاجلها . وعلى هذا الاساس فإن “حماس” كما غيرها من القوى التي تنتهج فعل المقاومة إنما تعتبر فصيلاً وطنياً في سياقات مواجهة العدو ،والا لما كانت الدعوى لتشكيل الاطار السياسي الموحد لكافة فصائل المقاومة تشملها لتوحيد الجهد المقاوم في مواجهة الاحتلال وعلى قاعدة أن الاولوية هي لمواجهة المحتل واستعادة الحقوق وممارسة حق تقرير المصير.
ولازمة لابد من تكراراها والتأكيد عليها وهي ان الوحدة الوطنية الفلسطينية ، تمليها مقتضيات الصراع وما يواجهه الفعل المقاوم من تحديات ناتجة عن سياقات المواجهة العسكرية في الميدان وضغط الصعوبات في تلقي نتائج الحرب المدمرة بشرياً واقتصادياً واجتماعياً وغذائياً وصحياً ، وعن التخاذل في موقف النظام الرسمي العربي وعدم اتخاذه اجراءات عملية لوقف الحرب وفك الحصار ، ومن يبدو بحكم العاجز عن توظيف التحول في الرأي العام الدولي لمصلحة القضية الفلسطينية ، لانتزاع موقف دولي لاجل وقف الحرب وفك الحصار.
من اجل حماية انجاز حماية “طوفان الاقصى”والحؤول دون اجهاض نتائجه ،لابد من اعادة البناء السياسي الوطني الفلسطيني على قاعدة ارضية المشروع السياسي الذي يبقي الحالة الوطنية الفلسطينية عصية على اي احتواء او مصادرة للقرار الوطني المستقل ، وهذا لن يحصل الا يتموضع الجميع اياً كانت عناوينه السياسية في اطار المؤسسة الشرعية التي تمثلها منظمة التحرير والعمل على تطوير مؤسساتها بما يمكنها من استيعاب كافة الفصائل تحت مظلتها ومحاكاة المتغيرات التي افرزتها عملية ٧ اوكتوبر وفق مقتضيات المصلحة الوطنية الفلسطينية والتي يفترض ان تنظر الى عملية طوفان الاقصى بانها لم تكن اول الكلام ولن تكون اخره طالما بقي الاحتلال الصهيوني قائماً لارض فلسطين لكلها او لبعضها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى