Javascript DHTML Drop Down Menu Powered by dhtml-menu-builder.com


كتب المحرر السياسي : أحداث عين الحلوة ليست صاعقةً في سماء صافية


05-08-2023


ليست هي المرة الاولى ، التي يشهد فيها مخيم عين الحلوة كما غيره من المخيمات في لبنان احداثاً امنية ،كانت تودي بالعديد من الضحايا والاضرار المادية في الممتلكات .لكنها المرة الاولى ، التي تبدو فيها الاحداث الامنية التي وقعت خلال الايام الماضية ،هي خارج سياق الاحداث الفردية وان كان اطرافها محسوبين على الفصائل او المجموعات التي تتخذ من المخيم مركزاً لادارة نشاطها او ملاذاً للايواء الآمن .
ان مثل تلك الاحداث كان يتم احتواؤها بسرعة ، لانها لم تكن تخفي وراءها اسباباً سياسية تتعلق بادراة العلاقات بين الفصائل . اما الاحداث الاخيرة فان اكثر من علامات استفهام ترتسم حولها خاصة وانها وقعت قبل ان يجف حبر ماتم الاتفاق عليه في اجتماع الامناء العامين للفصائل في" العلمين " بجمهورية مصر العربية ، كما انها وقعت بعد وقت قليل من لقاء انقرة بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس واسماعيل هنية برعاية اردوغان وكلا اللقاءين اللذين حصلا في مصر وتركيا ، انصبا بشكل اساسي على ترتيب البيت السياسي الفلسطيني وصولاً الى توحيد المرجعية الفلسطينية في تعاملها مع الداخل الفلسطيني ،او مع الخارج عربياً كان او اقليمياً او دولياً. واللافت للنظر ان اجتماع العلمين غاب عنه تنظيم "الجهاد الاسلامي"" والقيادة العامة" وكلاهما على علاقة وثقى بالنظام الايراني وما يسمى بمحور الممانعة وخاصة تنظيم الجهاد الشبيه بوضع حزب الله لجهة العلاقة مع ايران.
ان النظام الايراني الذي يعمل للاستثمار بالقضية الفلسطينية من خلال علاقات سياسية وتمويلية مع بعض الفصائل ، لم يكن حاضراً لقاءات مصر وتركيا ،وهو الذي يسعى لان يكون دائم الحضور في الترتيبات السياسية في الساحات العربية التي تعاني من ازمات سياسية حادة من خلال تدخله المباشر او بالواسطة في هذه الازمات ،كحال لبنان وسوريا والعراق واليمن ،وبطبيعة الحال ان ساحة فلسطين هي واحدة من الساحات الاساسية التي يسعى للاستثمار بها بالنظر لموقع هذه القضية بابعادها الوطنية والقومية والدولية.
ولهذا لم يبدِ النظام الايراني ارتياحاً لوضع لايجد فيه لنفسه "كرسياً" يجلس عليه في البحث عن ترتيبات الحلول للعلاقات الفلسطينية ، كما في ازمات اخرى ، بعدما فرض نفسه لاعباً امنياً وسياسياً في خلق الوقائع التي ولدت ازمات في العديد من الساحات العربية وعليه كان يتم استدعاءه للجلوس على طاولة ترتيبات مخرجات الحلول وعلى قاعدة ان من يكون طرفاً في افتعال مشكلة يكون طرفاً في البحث عن حلول لها.
ان ايران وهي التي باتت واحداً من اللاعبين في ازمات المنطقة وتحفظ لها اميركا دوراً في انتاج نظام اقليمي جديد تكون من ركائزه مع تركيا "واسرائيل"، تعمل لتقوية تأثيراتها في الساحة السياسية الفلسطينية بالاستناد الى متكئٍ يحمل هوية فلسطينية وحتى لايتم تجاوزها في اية ترتيبات امنية وسياسية لهذا الساحة ، وهذه التأثيرات لاتستطيع الاستثمار بها الا اذا كانت "المتكأت " التي ترتبط بها تمويلاً وتسليحاً تملك قدرة الفرض والا التعطيل للقرارات ذات الصلة بالشأن الفلسطيني سواء على مستوى علاقات الداخل او على مستوى العلاقات مع الخارج ، وهذا لا تستطيعه الا اذا كانت القوى الفلسطينية العصية على الاحتواء الايراني في موقع ضعيف او منعدم التأثير ، وهو الامر غير القائم حالياً بوجود قوى سياسية مقاومة فلسطينية مشدودة الى وطنيتها وقاومت وما زالت تقاوم اية عملية احتواء للقرار الوطني الفلسطيني من قبل من سعى ويسعى للاستثمار بالقضية الفلسطينية لاجل تحقيق اجنده اهدافه الخاصة. ومن بين القوى الوطنية الفلسطينية التي مازالت عصية على الاحتواء وتمثل قضية الشعب الفلسطيني كقضية تحرير وطني ، تبرز حركة فتح وهي تتبوأ موقعاً قيادياً في اطار الحركة السياسية الوطنية الفلسطينية وبغض النظر عن ملاحظات سياسية تتعلق باداء الحركة .
من هنا ، فإن العبور الايراني الى قلب القرار السياسي الفلسطيني والتحكم بمساراته يتطلب اضعاف موقع المرجعية السياسية التمثيلية لشعب فلسطين والذي تجسده منظمة التحرير الفلسطينية ،والمدخل الفعلي لهذا الاضعاف هو اضعاف الفصيل الاساسي والمحوري الذي شكل وما يزال العامود الفقري للمنظمة وهذا الفصيل هو حركة فتح. لذلك ان المعركة مع فتح بقصد ارباكها واضعافها القصد منه الامساك بناصية القرار الوطني الفلسطيني ، وهو ما تبذل ايران جهداً للوصول الى هذا المأرب كي تكون القوى التي تعمل بوحي من املاءاتها صاحبة القرار الذي يحفظ للنظام الايراني موقعه في الترتيبات السياسية والامنية الفلسطينية ،وعندها تكون ايران قد حققت ما صبت اليه من استثمارها في القضية الفلسطينية خدمة لمشروعها الخاص على مستوى الاقليم والتي يتقاطع بالنتائج مع المشروع الصهيوني.
ان ايران التي تستشعر ان ثمة اتصالات جارية بين اميركا والسعودية تربط عملية التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني بانتزاع وعد من نتنياهو بعدم ضم الضفة الغربية والبدء بمفاوضات مباشرة بمساعدة تركية ومصرية وطبعاً برعاية اميركية لمنح الفلسطينين شكل دولة على ماتبقى من الضفة الغربية وغزة ، سيخرجها من "المولد بلا حمص " ، وان الوقت ليس بصالحها ، لذلك تعمد الى تحريك ادواتها من هو معروف بهياكله التنظيمية او غير معروف كالمجموعات التي زرعت في الداخل الشعبي الفلسطيني للاستثمار بها غب الطلب. وما حصل في مخيم عين الحلوة لايخرج عن هذا السياق ، وان الاستهداف الاساسي هو لحركة فتح لاضعاف موقعها وبذلك تكون احداث عين الحلوة رداً ايرانياً مباشراً على اجتماعي انقرة والعلمين.
ان ايران التي تنفق على تشكيلات فلسطينية لتقوية مواقعها في ساحة الفعل الفلسطيني فلكي تستطيع بالاتكاء عليها لعب دور شبيه بما يجري في لبنان وسوريا والعراق واليمن .وهي تطمح لان يكون دورها في ترسيم الحدود السياسية بين فلسطين "واسرائيل" شبيه بدورها في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الصهيوني .
ان ايران التي تستشعر ان ولادة كيان فلسطيني على هزالة مواصفاته الوطنية سيكون نتاجاً لصفقة تطبيع سعودية اسرائيلية تمن النفس تكون القابلة الاقليمية لولادة هذا الكيان والذي يتطلب الدخول في مفاوضات مباشرة مع الكيان الصهيوني ولو كان برعاية اميركية.وان وصولها الى هذا الهدف يمر عبر تمكين القوى التي تعمل بوحي املاءاتها من فرض الخيارات التي تريدها والا تعطيل خيارات الاخرين ،. بهذا تحفظ لنفسها قدرة الفرض كحد اقصى والا التعطيل كحد ادنى وفي كلا الحالتين تكون قد حفظت لنفسها موقعاً في ترتيبات الحلول لقضية الفلسطينية ، وبالتالي حفظ دورها كطرف فاعل في النظام الاقليمي الجديد.
هكذا تقرأ الابعاد السياسية لاحداث عين الحلوة ،فتلك الاحداث ليست صاعقة في سماء صافية ، بل حصلت في جو متلبدٍ بالغيوم وصواعقه وان ضربت في مخيم عين الحلوة مؤخراً ، الا ان استهدافاته السياسية موجهة لحركة فتح اولا، وما تمثل، وثانياً للفصائل العصية على الاحتواء الايراني وما يسمى بمحور الممانعة ، وثالثا لمنظمة التحرير كاطار تمثيلي مازات تنحصر به شرعية التمثيل الوطني الفلسطيني. ولهذا يجب الحذر والتنبه لمخاطر مايستهدف القضية الفلسطينية من تصفية موصوفة سواء تمت عبر صفقة تطبيع جديدة بين السعودية والكيان الصهوني ، او صفقة مفاوضات مباشرة بين ايران "واسرائيل" ، وكل طرف يسعى لان يقدم نفسه حامياً لحقوق شعب فلسطين فيما السياقات العملية تدلل على العكس تماماً.
ان اي طرف فلسطيني ليس خارج النقد السياسي على ادائه ومواقفه ، وكذلك السلطة الفلسطينية ونحن لانحمل فصائل منظمة التحرير امراض السلطة وتأثيراتها السلبية على مسار النضال الوطني الفلسطيني ، لكن يجب التفريق بين النقد لاجل التقويم والعودة الى المسار النضالي الصحيح وبين التآمر واخطره الاختراق من الداخل.






New Page 1