أ . د . محمد مراد : باحث في التاريخ السياسي
وفّرت تطورات الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) ، مناخا مؤاتيا لظهور أفكار وطروحات ومشاريع وحدوية ، من قبل قوى متعددة فكرية وسياسية وأنتلجنسيا مدينية في القاهرة ، وبغداد ، ودمشق ، وبيروت وغيرها من عواصم ومدن الأقطار العربية الأخرى ، لا سيّما تلك التي كانت تتمتع بدرجة من الاستقلال السياسي والسيادة الوطنية . فقد وجدت هذه القوى في التطورات العسكرية والسياسية المتسارعة على غير جبهة من جبهات الحرب الدائرة ، أنّ ثمّة فرصة باتت سانحة لتحقيق درجة من الاتحاد بين مجموعة الأقطارالعربية المستقلة آنذاك ، تستطيع معه هذه الأقطار أن تشكّل كتلة إقليمية عربية تقوم على التعاون والتكامل في الاقتصاد والأمن والثقافة والسياسة الخارجية ، الأمر الذي يسهم في تدعيم الاستقلال الوطني لهذه الدول من جهة ، ويساعد الأقطار الأخرى التي كانت لا تزال تحت الحكم الأجنبي ، على إنجاز استقلالها من جهة أخرى .
بعد مشاورات ومباحثات طويلة بين ممثلي ومندوبي الأطراف العربية ، خرجت جامعة الدول العربية الى النور إثر مؤتمر القاهرة الذي عقد في مطلع شهر آذار ( مارس ) 1945 ، والذي ضمّ سبع دول مؤسّسة هي : مصر ، العراق ، سوريا ، المملكة العربية السعودية ، لبنان ، الأردن واليمن . وفي الثاني والعشرين من الشهر المذكور أعلن ميثاق الجامعة الذي نصّ على جملة من الأغراض والأهداف المشتركة ، هذه أبرزها :
1 – صيانة استقلال الدول العربية من الأطماع العدوانية والاستعمارية .
2 – المحافظة على الأمن القومي العربي بمنع الحروب البينية ، أي بين الأقطار العربية ، ونشر لواء الوئام والسلام والتفاهم بينها .
3 – تحقيق التعاون وتنسيق الخطط في المجالات السياسية ، ومساعدة الأقطار الأخرى التي مازالت ترزح تحت السيطرة الأجنبية ، على نيلها حريتها واستقلالها .
على قاعدة الأهداف المرسومة في هذا الميثاق ، كان مؤتمر القمّة الأول لدول الجامعة قد عقد في قصر أنشاص في الإسكندرية بين 28 – 29 أيّار ( مايو ) 1946 ، بحضور ملوك ورؤساء الدول السبع المؤسّسة للجامعة . من أبرز القضايا التي أولتها القمّة الأولى اهتمامها كانت ثلاث اتسمت بأبعاد قومية واضحة :
الأولى ، قضية فلسطين ، واعتبارها القضية القومية المركزية ، على دول الجامعة التنسيق والعمل المشترك لدعمها ومناصرتها .
الثانية ، تطوير العمل العربي المشترك من خلال " التشاور والتعاون والعمل قلبا واحدا ويدا واحدة " .
الثالثة ، الاستقلال الوطني لباقي الأقطار العربية ، التي ما تزال تحت الحكم الأجنبي ، لكي تتمكّن من إنجاز استقلالها ، وتبلغ أمانيها القومية عبر انخراطها في أسرة جامعة الدول العربية ، واكتسابها عضوية المنظمة الدولية أي الأمم المتحدة .
بعد مضي سبع وسبعين سنة على القمّة الأولى للجامعة ، وبعد توالي انعقاد القمم العربية وصولا الى قمّة جدّة الحالية ، التي تسجّل الرقم 47 في تسلسل القمم بين عامي 1946 – 2023 ، فإنّ القضايا الثلاث المشار اليها أعلاه ظلّت ثابتة على جداول أعمال القمم المتعاقبة من غير تسجيل نجاحات ملموسة ، لا سيّما بشان تطورات القضية الفلسطينية ، ومعها العديد من القضايا القومية في الأمن والاقتصاد والسياسة ، وفي العلاقات التكاملية التي تربط بين الوطني والقومي من ناحية ، أم في علاقات دول الجامعة مع الخارج الدولي والإقليمي من ناحية أخرى .
شهدت جامعة الدول العربية ، وما تزال ، صراعا شديدا بين تيارين اثنين : الأول ، قومي توحيدي ، يسعى الى تطوير العمل العربي المشترك ، وصولا الى قيام صيغة وحدوية قادرة على النهوض بالأمّة العربية ، والثاني ، قطروي تجزيئي ، يسعى الى تغليب الكيانية السياسية ذات الخصوصية القطرية في المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية والتعاملات الاقتصادية والأمنية . أمّا الغلبة في هذا الصراع الذي استمرّ محتدما ، فكانت لصالح الكيانية القطرية ، وذلك لجملة من الأسباب هذه أهمها :
1 – قدرة الطبقات السياسية الحاكمة على انتاج وإعادة انتاج نفسها ، وهي طبقات تشكّلت في الأساس في ظل السيطرة الأوروبية المباشرة ، وما لبثت أن توارثت السلطة في أعقاب الخروج الاستعماري مع استمرارها في علاقات معه على درجة شديدة من التبعية والالتحاق السياسي والاقتصادي .
2 – استمرار الولاءات الأولية من طائفية وعشائرية وجهوية ، الأمر الذي ترك نتائجه السلبية على مسألة الانتماء الى وطن والى أمّة واحدة ، وهذا ما دلّت عليه كثرة الأزمات الحادّة ، والحروب الأهلية التي تفجّرت في غير قطر عربي منذ مطلع ستينيات القرن الماضي ( القرن العشرين ) في اليمن ، والصومال ، ولبنان ، والسودان وغيره ، وكذلك الحروب – المأساة التي انفجرت في غير قطر عربي مع بدايات العشرية الثانية للقرن الحالي ( الحادي والعشرين ) ، والتي ماتزال على درجة حامية من العنف الدموي ، وباتت تترك تداعيات خطيرة على الديمغرافيا والتدهور الاقتصادي والتهجير القسري ، وعلى مستويات المعيشة ، والأخطر من كل ذلك ، على الولاءات الوطنية والهوية القومية .
3 – دور القوى الخارجية سواء منها المجاورة للوطن العربي أم البعيدة عنه ، وفي مقدمتها قوى الاستعمار الغربي المتحالفة مع الصهيونية والرجعية العربية ، كل هذه القوى مجتمعة ترى في استراتيجية التفتيت والتجزئة للوطن العربي تحقيقا لمصالحها في التوسع والنفوذ من جهة ، ومانعا لقيام الدولة الوطنية ، وكذلك للدولة القومية ( الدولة – الأمة ) من جهة أخرى .
من بين المؤسسات الهيكلية التي نشأت في إطار جامعة الدول العربية ، هناك مؤسستان على درجة من الأهمية نظرا لاتصالهما المباشر بالأمن القومي من ناحية ، والتكامل الاقتصادي كأساس لبناء القاعدة المادية الاقتصادية للوحدة العربية من ناحية أخرى ، والمؤسستان هما : مجلس الدفاع العربي المشترك ، ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية .
مجلس الدفاع العربي المشترك
اختصّ هذا المجلس منذ نشوئه عام 1950 بقضايا الدفاع وحماية الأمن القومي العربي ، فهو يعتبر كلّ اعتداء مسلّح يقع على أية دولة عربية أو أكثر يكون بمثابة اعتداء على سائر دول الجامعة الأخرى ، ولذلك ، فانّ هذه الدول " عملا بحق الدفاع الشرعي – الفردي والجماعي – عن كيانها ، تلتزم بأن تبادر الى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها ، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة ، جميع التدابير ، وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوّة المسلّحة لردّ الاعتداء " .
إلاّ التطورات الأمنية التي أعقبت إنشاء هذا المجلس لم تلحظ التزاما أمنيا من قبل دول الجامعة بمضامين وضرورات الدفاع العربي المشترك ، على الرغم من أنّ ثمّة أخطارا شكّلت وما تزال ، تهديدا صارخا للأمن القومي العربي . من أبرز هذه الأخطار على سبيل المثال لا الحصر :
الاغتصاب الصهيوني لفلسطين بعد حربي 1948 و1967 ، والذي مازالت حلقاته العدوانية تستكمل حتى اليوم في حروب متواصلة على القدس والمسجد الأقصى ، وعلى غزّة ونابلس وجينين وسائر المدن الفلسطينية المحتلة . لم يقم مجلس الدفاع العربي المشترك بدوره المطلوب للتعامل مع العدوانية الصهيونية المستمرة على فلسطين وشعبها .
عدم قيام مجلس الدفاع العربي المشترك بواجبه الدفاعي عن مصر إبّان العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي – الصهيوني عليها عام 1956 .
لم يتحرك مجلس الدفاع العربي المشترك للمساهمة في ردّ العدوان الصهيوني على مصر وسوريا والأردن في حرب 1967 ، وكذلك في حرب 1973 ، باستثناء ما يسجّل للقوات المسلّحة العراقية التي اندفعت الى الجبهتين المصرية والسورية في حرب تشرين الأول ( أكتوبر ) 1973 ، وشاركت مباشرة في وضع خطة عسكرية عراقية – سورية لتحرير الجولان المحتل واستعادته من العدو الصهيوني .
لم يلتزم مجلس الدفاع العربي المشترك بمساعدة العراق في الحروب الأربع التي واجهها بين 1980 – 2003 ، وهي ثلاثة حروب عسكرية ، إضافة الى حرب الحصار الرابعة ،التي تركت تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي والمعيشي والصحي لشعب العراق ، لا سيّما على أطفاله الذين قضوا بالملايين جوعا ومرضا .
مجلس الوحدة الاقتصادية العربية
أنشىء هذا المجلس عام 1950 ليتطور عام 1957 الى إبرام إتفاقية الوحدة الاقتصادية ، وفي العام 1964 أنشئت السوق العربية المشتركة ، التي أكّدت على وجوب التكامل الاقتصادي بين دول الجامعة العربية ، وصولا الى صياغة نظام إقليمي اقتصادي عربي موحّد .
إلاّ أنّ معظم النصوص التي حكمت قيام مجلس الوحدة الاقتصادية ، وبالتالي السوق العربية المشتركة ، بقيت حبرا على ورق دون أن تجد ترجمتها العملية على أرض الواقع الاقتصادي العربي . أمّا أبرز أسباب الإخفاق في هذا المجال فكانت :
1 – عدم رغبة الحكومات العربية بإبداء أية حماسة حقيقية تجاه قضايا ومشروعات العمل الاقتصادي العربي المشترك .
2 – عدم إيلاء الحكومات الاهتمام الكافي للتجاوب مع الدراسات والخطط الاقتصادية الصادرة عن الأمانة العامّة لمجلس الجامعة العربية .
3 – تمسّك الحكومات العربية بعدم المساس بثوابت السيادة القطرية وقوانينها الداخلية ، وعدم الالتزام بأي قرارات او توصيات في مسائل أو مشاريع تتعارض مع مشروعات الدولة القطرية المنفردة .
وإذا كانت جامعة الدول العربية لم تستطع أن تؤسّس لمشروعات أو مؤسسات اقتصادية تكاملية بين الأقطار العربية ، فإنّ ثمّة أزمة أكثر عمقا في بنيان العلاقات الاقتصادية العربية قد تمثّلت ، هذه المرة ، بخروج عدد كبير من أقطار الجامعة ، ليس فقط على مبادئ ميثاق العمل الاقتصادي العربي الموحد ، وإنّما أيضا ، في إبرام اتفاقيات تطبيع مع الكيان الصهيوني شكّلت مساسا صارخا ، لا بل اختراقا خطيرا للأمن الاقتصادي العربي ، والأمن السياسي العربي على حدّ سواء .
كانت معاهدة " كامب ديفيد " عام 1978 ، قد أفضت الى إخراج مصر – الدولة العربية الوازنة سكّانيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا ، ليس فقط عن دائرة الصراع العربي – الصهيوني ، وإنّما كذلك من جامعة الدول العربية لمدة أربع سنوات ( 1978 – 1982 ) ، ورغم عودتها الى مجلس الجامعة إثر مؤتمر قمّة فاس في المغرب 1982 ، إلاّ أنّها ، أي مصر مازالت على علاقة دبلوماسية واقتصادية مع الكيان الصهيوني حتى اليوم . هذا ، وكانت اتفاقية " وادي عربة " التي أبرمتها الأردن مع الحكومة الصهيونية عام 1994 قد أدخلت في صلب الدستور الأردني ، لا لتقييد هذا الدستور وحسب ، وإنّما لإعطائها بعدا قانونيا ودستوريا يستحيل تجاوزه أو إلغاؤه فيما بعد .
بالإضافة الى مصر والأردن ، تواصلت سلسلة من علاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني من جانب عدد من دول الجامعة ( قطر ، البحرين ، الامارات العربية المتحدة ، المغرب ، السودان ) ، هذا الى دول أخرى غير معلنة في الوقت الحاضر . كلّ ذلك يشير الى مدى الهشاشة التي بلغها العمل العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية ، هذه الهشاشة التي لم تكن تفريغا لمحتوى مواثيق الجامعة وحسب ، وإنّما لتمثّل أيضا خروجا على الالتزام بالقضايا الوطنية والقومية المصيرية .
تحدّيات القمّة العربية في جدّة
إنّ الوطن الوطن العربي ، وهو يقف اليوم على مشارف النهاية للربع الأول من القرن الحالي ، يواجه تحدّيات غير مسبوقة في تاريخه من حيث شراسة الاستهداف لوجوده الكياني ، وخصوصيات تشكّله التاريخي والحضاري . فهو ، ومع مطلع دخوله الألفية الثالثة ، تعرّض ، وما يزال ، لأشرس هجمات الاختراق الخارجي من قوى دولية وإقليمية مدفوعة بنزعات هيمنة استعمارية مغلّفة بالديمقراطية المزعومة حينا ، وبخلفيات أيديولوجية دينية ومذهبية بوصفها ذات القدرة الأكثر فعالية على تفكيك الاجتماع السياسي والثقافي والفكري للمجال العربي برمته حينا آخر .
كثيرة هي الأجندات الخارجية الدولية والإقليمية ، التي راحت ترسم استراتيجياتها في الاستحواذ والهيمنة على الوطن العربي ، بهدف الفوز بخصوصياته الجيوسياسية لجهة موقعه الجيو-استراتيجي ، ومخزوناته الهائلة من الثروات النفطية والطبيعية الأخرى .
بدأت الهجمة الأمريكية باستهداف العراق أولا ، بوصفه حجر الزاوية في البناء الوطني – القومي من خلال امتلاكه مشروعا نهضويا تقدميا يربط عضويا بين مفاعيل الوحدة القومية والتحرر والعدالة الاجتماعية . ثلاثة حروب تدميرية عسكرية وحصارية اقتصادية تزعمتها إمبريالية المركز الأميركي بهدف تدمير التجربة الوطنية في العراق ، في أقلّ من ثلاث عشرة سنة بين 1990 – 2003 ، وصولا الى احتلاله ، وإسقاط نظامه الوطني – القومي ، وتصنيع نظام احتلالي بديل مفصّل على قياس الأجندة الأميركية في الاحتلال والتفكيك والتدمير ، نظام لم يلبث أن أخذ الدولة التي تبوّأت مكانة مرموقة على الخريطة الدولية في ظل النظام الوطني ، الى الفوضى والفشل ، وتغليب ثقافة المذهب والعرق والعشيرة على التماسك الاجتماعي والوحدة المجتمعية والوطنية .
لقد فتح احتلال العراق أبواب الوطن العربي واسعة أمام زحف المشاريع الغازية ، التي فتحت بدورها ، معظم الساحات العربية أمام مرحلة ساخنة من الحروب الأهلية والأزمات العميقة ، الأمر الذي باتت معه الدولة الوطنية العربية تواجه مأزقها التاريخي لجهة البقاء والاستمرار .
أمّا القضية الفلسطينية فقد باتت في المرتبة الخلفية من الاهتمامات العربية والدولية ، لا بل أنّ هجوما أميركيا – صهيونيا راح يستغل حالة الوهن العربي ، ويكثّف ، بالمقابل ، من سرعة الخطوات الآيلة الى إنجاز الاستراتيجية الصهيو – أمريكية المتمثّلة بإنهاء القضية الفلسطينية ، والانتقال من مرحلة الأسرلة لفلسطين التاريخية الى مرحلة الدولة اليهودية الكبرى ، التي من شأنها السيطرة على كامل المجال الجغرافي العربي من الفرات الى النيل ، وهذا ، ما ظهرت مؤشراته التطبيقية في " صفقة ترامب – الرئيس الأميركي 2016 – 2020 ) ، وفي سلسلة معاهدات التطبيع العربية – الصهيونية ، وهي ، في الظاهر ، معاهدات " سلام وتعاون اقتصادي وثقافي " ، لكنّها في الواقع ، معاهدات تعبيد الجسور أمام إنجاز مشروع الدولة التوراتية اليهودية الكبرى ، والتي ليست سوى بديل للدولة القومية العربية التي سعى اليها العرب طويلا .
خاتمة
إذا كانت التحديات المشار اليها أعلاه ، هي التي تفرض نفسها على طاولة القمّة العربية في جدّة اليوم ، فإنّ جامعة الدول العربية مدعوة ، أكثر من أي وقت مضى ، الى العمل الجاد والدؤوب من أجل مراجعة نقدية لمسارها التاريخي لأكثر من ثمان وسبعين سنة مضت على نشأتها ، والخروج بالإعلان عن ميثاق جديد يؤسّس لقيام الجماعة الشعبية العربية بدلا من جامعة الدول العربية ، ميثاق يمهّد لقيام " مجلس أمّة عربي " بهيئتين برلمانية تشريعية وحكومية تنفيذية ، تكون تشريعاته وقراراته ملزمة لجميع الأقطار العربية على المستويين الرسمي والشعبي على حد سواء .
إنّ المرحلة الراهنة هي تاريخية وفاصلة ، تقتضي وجوب الاستجابة العربية الشاملة التي طال انتظارها للردّ على التحديات الضاغطة التي تواجه الأمة في وجودها هذه المرّة . فهي أمّة تقف على مفترق طرق خطير : إمّا أن تكون جديرة في إثبات أحقيتها كأمّة ذات مشروع حضاري نهضوي ، وإمّا الدخول في نفق من الظلامية لا أحد يستطيع أن يتكهّن بمداها الزمني . من هنا ، فإنّ القوى الحيّة العربية مدعوة بقوّة ، وتحت ضغط التحديات المكشوفة التي تهدّد الأمّة في كيانها الوجودي ومصيرها من قبل قوى خارجية طامعة ومتربّصة ، فهي مدعوّة الى تغليب الاستراتيجي الثابت على الظرفي المتغيّر .
المطلوب وبإلحاح هذه المرة ، هو إشعار جامعة الدول العربية بضرورة امتلاك المشروع النهضوي الذي يلتقي بالضرورة ، مع شروط الاستجابة لمصالح الجماهير والأجيال العربية في صناعة المستقبل من خلال التأسيس لحالة نهضوية عربية تستطيع معها الأمّة العربية تجاوز أزماتها وحروبها الداخلية ، لا بل تمتلك مقوّمات المواجهة في تصديها لمشاريع واستراتيجيات الاختراقات الخارجية ، مقوّمات تستطيع معها العبور الى مستقبل واعد يحقّق لها شخصيتها الحضارية ، ودورها الرائد في حمل الرسالة الخالدة الى الإنسانية جمعاء .