في العاشر من شهر كانون ثاني لهذا العام، أطل علينا وزير الصحة اللبناني مرتبكاً وكأن ما بيده حيلة، وهو يعلن عن رفع الدعم عن حليب الأطفال المحدد بنسبة الخمسين بالمئة من سعره،
وبعذرٍ أقبح من ذنب اعطى سبباً استند اليه في قرار رفع الدعم، هو عدم وجود هذا الحليب في الاسواق دون ان يكلّف نفسه ومعاونيه في الوزارة البحث والتفتيش في مستودعات التجار والوقوف على الكميات التي استوردت بالسعر المدعوم وكيف تبخرّت وكم اختفى منها لتباع في السوق السوداء وذلك كله ممكن لو تحركت الاجهزة الادارية الرقابية وقامت بما هو متوجب عليها من مسؤوليات في أضعف الايمان.
قد يتحمل المواطن التقتير في غذائه ويصبر على ما ابتلاه القدر من فاسدين يتحكمون بقوته ودوائه ومستلزمات عيشه، ولكن:
ماذا يقول القانون والضمير والاخلاق والقِيَم الانسانية عندما يتعلق الامر برضيعٍ وخديجٍ لا يتعدى الاشهر القليلة، وتُمنَع عنه علبة حليب ليبقى على قيد الحياة، وما الفارق بين هذا المخلوق التعيس والمريض الذي يعيش على اجهزة الانعاش وتُقطَع عنه أنابيبها ليوّدع الحياة لا محالة.
انه الاجرام ايها السادة، والاتهام المباشر لهذه السلطة المجرمة العاملة بالغباء حيناً والاصرار حيناً آخر على قتل الاطفال الرضع عن سابق تصّور وتصميم بعدما دمّروا حياتنا وصادروا كل جمالٍ في هذا البلد، ويستكملون جريمتهم اليوم بمنع الحليب عن اطفال لبنان الفقراء، ومن كُتِب له العيش فهو للضعف البدني والمرض اقرب،
وكيف للجسد الغض الخديج ان ينمو ويعيش في هذه الحال!
انه، وبِحِسبَةٍ بسيطة نسأل:
كم تبلغ غرامات التأخير المدفوعة للبواخر المحملّة بالفيول لكهرباء لبنان والراسية اليوم أمام الشاطئ،
وكم ستغطي هذه المبالغ من آلاف علب حليب الاطفال الرضّع لتوزع على اطفال لبنان وتؤمن لهم الغذاء المطلوب للعيش والنموّ، وتخفف عن كاهل ذويهم دوّامة التفتيش عن هذا المنتج داخل الصيدليات ومستودعات الأدوية، واذلالهم حتى في الحصول على العلبة الواحدة وبالسعر المضروب بأضعاف من قِبَل تاجر ومحتكر يخفي الحليب ولا يخاف من المساءلة والقصاص في بلد محكوم بلصوص وحرامية كل من فيهم بدرجة وزير ومدير عام ومتواطئ ومحتكر من العار ان ينجو من قصاص المُعَذّبين على هذه الارض بعد اليوم.