Javascript DHTML Drop Down Menu Powered by dhtml-menu-builder.com


كتب المحرر السياسي: صفقة الترسيم: لأميركا التوظيف السياسي لغاز المتوسط ولإيران إعادة تعويم دورها في العراق


14-10-2022
كلام رئيس الجمهورية الذي ضمنّه رسالته إلى اللبنانيين عشية يوم الخميس، وهو يزف ما يعتبره انتصاراً للبنان في مفاوضاته الشاقة غير المباشرة مع العدو الصهيوني، لم يقنع غالبية اللبنانيين بما سمي بالإنجازات التي تحققت والتي انطوت عليها مطالعة الرئيس.
لقد ذكر الرئيس أن لبنان لم يقدم أية تنازلات تتناول حدوده المائية وحقوقه الاقتصادية، وركز بشكل خاص على أن صلابة الموقف مَكَّنَتْ لبنان من استعادة ٨٦٠ كلم٢، وأنه انتزع اعترافاً بالخط ٢٣ كخط ترتسم على أساسه الحدود المائية، كما لم ينسَ الرئيس أن يذكر أن لبنان لن يشارك "إسرائيل" بحصة من عائدات حقل قانا، وأن الشركة التي ستتولى الحفر وهي شركة "توتال"، هي من ستعطي "إسرائيل" مما سيؤول إليها من مردود بحسب مندرجات العقد الذي يحدد جعالتها من عمليات التنقيب. كما لم ينس الرئيس أن يشيد بطاقم وزارة الطاقة بدءاً من وزيرها منذ تولى جبران باسيل هذه الحقيبة واستمر تياره على رأسها حتى تاريخه، حتى أنه عمد إلى تسمية صهره بالاسم ممن شملهم بلفتة التنويه والشكر.
كلام رئيس الجمهورية، الذي استحضر مساحة ال ٨٦٠ كلم ٢، كمساحة دخلت ضمن حدود السيادة اللبنانية، تجاهل أن يشير إلى التنازل عن ١٨٦٤ كلم ٢، كما تجاهل الإشارة إلى التنازل عن الخط ٢٩ وهو الخط المثبت استناداً إلى الإحداثيات التي تنطلق من رأس الناقورة.
وإذا كانت الاتفاقية تتطلب قراءة تتناول كل أبعادها السياسية والاقتصادية والقانونية، فإن الإطلالة السريعة على هذه الاتفاقية في المضمون والتوقيت تفضي إلى القول، إن الاتفاقية انطوت على تنازلات قدمها الجانب اللبناني تمثلت بالتراجع هن الخط ٢٩ وفيه تنازلت السلطة اللبنانية عن حق سيادي لا تملك بالأساس الحق بالتنازل عنه. كما أن الاتفاقية انطوت على اعتراف بحدود للكيان الصهيوني، وهذا ما كان ليحصل لو لم تدر مفاوضات بين الطرفين ولو كانت عبر طرف ثالث.
إن كلام رئيس الجمهورية لو جاء في سياق آخر، وهو مصارحة اللبنانيين بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان في ظل موازين القوى السائدة، لكان كلامه قارب الواقع القائم أكثر من مقاربته له كما جاء في رسالته.
إن الجميع يعرف، أنه لولا الدور الأميركي النشط والحاجة الأميركية لتوقيع الاتفاق لضرورات تداعيات الحرب في الشرق الأوروبي وإدخال تأمين النفط والغاز لأوروبا للاستغناء عن النفط والغاز الروسيين كورقة ضغط على موسكو لما كانت اتسمت الحركة الأميركية بالحرارة والسرعة لتوقيع الاتفاق.
إذا، أن توقيع الاتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة كان حاجة أميركية ملحة في توقيته، ولأجل ذلك مارست ضغطاً سياسياً على لبنان ودولة العدو للموافقة على المقترحات الأميركية حيث اعتبر كل طرف أنه خرج منتصراً فيما الحقيقة أن لبنان هو الخاسر الأكبر.
إن أميركا التي سعت لإنجاز الاتفاق، أدارت مفاوضات غير مباشرة بين لبنان والكيان الصهيوني، كما كانت تدير في ذات الوقت اتصالات تحت الطاولة مع النظام الإيراني لضمان عدم التشويش السياسي والإعلامي على الاتفاق. وبالتالي حصلت الصفقة الأميركية- الإيرانية، التي ظهّرت عناوينها باتفاقية الترسيم المائي بين لبنان "وإسرائيل" من جانب، وتسهيل استيلاد تشكيل السلطة الجديدة في العراق من جانب آخر، بانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تسمية رئيس للحكومة وهما المرشحان من الطرف المسمى "الإطار التنسيقي"، وهو الذي يرتبط بمركز التحكم والتوجيه الإيرانيين.
إن توقيت إنجاز صفقة الترسيم بين لبنان والكيان الصهيوني مع إنهاء الانسداد السياسي في تشكيل السلطة في العراق لا يترك مجالاً لأي التباس بأن الذي حصل في حقيقته وأبعاده، انطوى على صفقة، أخذت أميركا بموجبها ما تريده من اتفاقية الترسيم لإمساكها بورقة الغاز والنفط في إطار الحرب الروسية- الأوكرانية، وأخذت إيران ما تريده لإعادة تعويم تأثيرها السياسي والأمني في العراق من بوابة الإمساك بمفاصل السلطة التي تدور بالفلك الإيراني. وكل كلام خارج هذا السياق إنما يندرج في إطار التعمية السياسية والإعلامية وكفى تضليلاً للرأي العام.
وستكون لنا قراءة سياسية وقانونية مفصلة لهذه الاتفاقية وحجم التنازلات التي فرض على لبنان تقديمها.

New Page 1